الشرق اليوم- شهدت الساحة الليبية تطورات سياسية عديدة، آخرها، أنها باتت الأن ليبيا تعيش تحت سلطة حكومتين، ولم يتضح بعد موقف المجتمع الدولي من ذلك، وتتصاعد التحذيرات من أن يكون وجود حكومتين بداية لانقسام سياسي جديد كالذي شهدته البلاد مع “رأسين تنفيذين” على مدى أعوام طويلة.
ففي 1 مارس، منح البرلمان الليبي الثقة لحكومة فتحي باشاغا لتكون بديلة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إذ حازت الحكومة على 92 صوتا من 101 نائب حضروا الجلسة، في حين رفضت “حكومة الوحدة الليبية” منح البرلمان الليبي الثقة لحكومة جديدة، واتهمته بالتزوير لإخراج القرار باسم المجلس بطرق تلفيقية، وأعلنت أنها مستمرة في أعمالها بشكل اعتيادي، محذرة من أي محاولات لاقتحام مكاتبها.
المواقف من شرعية الحكومة الجديدة
قال بيان لحكومة “حكومة الوحدة الليبية”: إن رئاسة مجلس النواب تعبث بأمن واستقرار الليبيين، وإن “آخر الأعمال العبثية” تمثلت في منح الثقة للسلطة التنفيدية، وأضافت: أن مجلس النواب “ليس من حقه اختيار رأس السلطة التنفيدية”.
وأوضح البيان أن ما جرى في البرلمان كان “مشهد هزلي” تجاوز كل التفاهمات السياسية، والإعلان الدستوري، وأشار إلى أن البرلمان لم يحقق النصاب القانوني في جلسة منح الثقة.
وقدمت الحكومة في بيانها دعوة للمجلس الرئاسي، ورئيس المحكمة العليا، بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، “إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية، والمسارعة في إعادة فتح الدائرة الدستورية، للفصل بشكل نهائي، في كل الإشكاليات التي تهدد استقرار البلاد، ووقف العبث الدي تمارسه السلطة التشريعية ومحاولتها لاحتكار السلطات”.
وقالت: إن “استمرار إغلاق الدائرة الدستورية في هذا الوقت الحاسم، يعتبر مساهمة مباشرة في استمرار الفوضى”.
وخلص بيان الحكومة إلى إعلانها بأنها “مستمرة في أعمالها بشكل اعتيادي، وأنها ستستمر في مبادرتها لإجراء الانتخابات خلال شهر يونيو المقبل”.
وبعدها، أعلن رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، رفضه التدخل في قرارات المجلس، وشدد خلال لقائه مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة على قانونية الإجراءات التي اتخذها المجلس.
وأكد صالح بأن قرارات المجلس غير قابلة للتصديق من أي جهة كانت.
وشدد صالح على “قانونية الإجراءات المتخذة التي اتخذها مجلس النواب سواء فيما يتعلق بالتعديل الدستوري الثاني عشر وخارطة الطريق، أو تشكيل الحكومة الجديدة عقب انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية في 24 ديسمبر 2021”.
وأضاف: أن تلك الإجراءات “تمت عقب التوافق مع مجلس الدولة من خلال اللجنتين المشكلتين من مجلس النواب والدولة”.
في حين، قال رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري: إن منح مجلس النواب بطبرق الثقة لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا يمثل “مخالفة للاتفاق السياسي”.
وأضاف المشري: أن “المجلس كان قد أكد رفضه للخطوات التي يقوم بها مجلس النواب منفردا وسيكون للمجلس جلسة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات تجاه هذه المخالفات”.
ووصف استمرار إغلاق الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بأنها “جريمة إنكار للعدالة”.
مخاوف من تجدد الصراع
تشهد ليبيا انقسامات جديدة فيما تسعى حكومتان متنافستان، واحدة في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في طبرق برئاسة فتحي باشاغا، لمزيد من السلطة.
وبعد أن أدى تشكيل حكومي انتقالي برئاسة باشاغا اليمين أمام النواب في مدينة طبرق شرقي ليبيا.
قال باشاغا للبرلمان: إن الجماعات المسلحة اختطفت وزراء عينوا حديثا في حقائب الخارجية والثقافة والتعليم الفني- وأطلقت النار على آخرين كانوا في طريقهم إلى مراسم حلف اليمين.
وبعدها طالب مجلس النواب الليبي “حكومة الوحدة الوطنية” بتسليم السلطة “بكل ديمقراطية” للحكومة الجديدة لتباشر مهامها من العاصمة وتبسط سيطرتها على كل البلاد، ودان ما تعرض له وزراء فيها لخطف واستهداف بالرصاص.
وقال المجلس في بيان: إنه يتابع “بقلق بالغ” ما حدث من خطف لوزير الخارجية ووزيرة الثقافة، و”ما حدث من اعتداء على وزراء الحكومة الليبية والرماية بالرصاص عليهم لمنعهم بالقوة من الوصول إلى مدينة طبرق وأداء اليمين القانونية”.
كذلك أشار البيان إلى “ما تم من قفل للأجواء وقفل للطريق الساحلي وما ترتب عنه من معاناة المرضى والمسافرين”.
وقال إن ذلك يؤكد ما تحدث عنه سابقا بشأن التهديدات التي يتعرض لها النواب “لمنعهم من حضور الجلسات ومساومات لشراء الذمم في سبيل عرقلة النصاب”.
وطالب المجلس النائب العام بالتحقيق فيما جرى.
وفي نفس السياق، قال رئيس الحكومة الليبية الجديدة فتحي باشاغا، “سنباشر بدراسة جميع الخيارات لاستلام السلطة في طرابلس بقوة القانون وليس بقانون القوة ونحن قادرون على أداء هذا الاستحقاق”.
وأضاف: “نحن دعاة سلام قولا وفعلا والبعض يحاول جرنا للحروب ولن نسفك قطرة دم واحدة ولن نسمح باستمرار هذا العبث”.
وفي إشارة إلى “حكومة الوحدة الوطنية” التي أعلن رئيسها عبد الحميد الدبيبة أنها “مستمرة في عملها” وحذر من اقتحام مقراتها، أكد باشاغا أن حكومته “تمثل كل الليبيين”، وأنها “ستعمل على إنهاء المراحل الانتقالية ودعم العملية الانتخابية وفق الآليات الدستورية”.
الموقف الدولي من التطورات
عبّرت الأمم المتحدة عن قلقها من الأجواء التي رافقت عملية منح الحكومة الجديدة الثقة، وكانت قد أثارت الشكوك حول صحة مسعى البرلمان لتنصيب رئيس الوزراء الجديد، قائلة: إنها تشعر بالقلق من تقارير تفيد بأن هذا الإجراء “لا يرقى إلى المعايير المتوقعة”.
وأكدت أنها “قلقة من التقارير التي تفيد بأن التصويت في جلسة مجلس النواب لم يرقَ إلى المعايير المتوقعة والشفافية، مع حدوث تهديد سبق الجلسة”.
وسيكون موقف القوى الدولية عاملا رئيسيا في هذا الخلاف على السيطرة على ليبيا، في ظل خطر تجدد الحرب بعد عام ونصف العام من الهدوء النسبي بين فصائل رئيسية تحارب من أجل السيطرة على الدولة الغنية بالنفط.