بقلم: بول كروجمان – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- قمت في الآونة الأخيرة برحلات قليلة واغتنمت الفرصة لإجراء بعض التقييم الاقتصادي بالعين المجردة. ولاحظت، كما يلاحظ العديد من الناس، أن الطائرات تقلع ممتلئة، والمتاجر والمطاعم مزدحمة، يبدو بالتأكيد وكأن الاقتصاد مزدهر.
هذا أيضاً ما تفصح عنه الأرقام. في خطابه عن (حالة الاتحاد)، أشار الرئيس جو بايدن – مع إقراره بأن التضخم قد أدى إلى تآكل الزيادة في الأجور – إلى إضافة 6.5 مليون وظيفة العام الماضي، وقال: “تم توفير المزيد من الوظائف في عام واحد أكثر من أي وقت مضى في تاريخ أمريكا”. كان هذا الزعم صحيحاً تماماً.
ومع ذلك، فإن الجمهور لا يصدق ذلك. وفقاً لمسح جديد أجراه موقع “نافيجيتور ريسيرش” (Navigator Research)، يعتقد 19% فقط من الأمريكيين أن الاقتصاد الأمريكي يشهد نمواً في الوظائف أكثر من المعتاد، بينما يقول 35% إنه يعاني من فقدان وظائف أكثر من المعتاد.
قد تميل إلى القول إن الأمريكيين العاديين لا يبالون بالإحصاءات الرسمية، وأن ما يهم هو تجربتهم المعيشية. لكن ما يشهده الناس في الواقع في حياتهم اليومية هو سوق عمل قوي للغاية. على سبيل المثال، وفقاً لآخر مسح أجرته مؤسسة كونفرنس بورد، قال 53.8% من المستهلكين إن الوظائف كانت “وفيرة”، وهو رقم شبه قياسي، بينما قال 11.8% فقط إنه كان من الصعب الحصول على وظيفة. ويمكن لأي شخص يجول في مدن الولايات المتحدة أن يرى انتشار علامات طلب المساعدة.
ورأيي أن نتائج الاستطلاع في سوق العمل، هي المسمار الأخير في نعش محاولات إنكار أن شيئاً غريباً للغاية يحدث في كيفية رؤية الأميركيين للاقتصاد، وهو وجود انفصال كبير بين الواقع الاقتصادي المختلط – فالتضخم مصدر قلق كبير، لكن نمو الوظائف كان رائعاً – والتصورات العامة القاتمة بشكل غريب.
إنه ليس مجرد تنافر بين ما يقوله الناس عن آفاق التوظيف الخاصة بهم وما يقولونه عن توفير فرص العمل. يتجلى التنافر نفسه، وإن كان في شكل أكثر فتوراً، عندما نقارن ما يقوله الناس عن مواردهم المالية الشخصية وما يقولونه عن حالة الاقتصاد.
وفقاً لاستطلاعات ولاية ميشيجان طويلة الأمد للمستهلكين، يقول عدد كبير من الأمريكيين إن وضعهم المالي الشخصي أفضل مما كان عليه قبل عام. يتوافق هذا مع التقديرات التي تشير إلى أنه على الرغم من التضخم، فقد شهد معظم الناس ارتفاعاً في الدخل الحقيقي في عام 2021. يمكنك التعليق على التقديرات، ولكن من الواضح أنه لا توجد مجموعة رئيسية أسوأ حالاً بشكل كبير. ومن الجدير بالذكر، بالنسبة للسياق التاريخي، أن الأجور الحقيقية للطبقة العاملة انخفضت بشكل مطرد في معظم حقبة ريجان، الأمر الذي لم يمنع الناخبين من رؤية تلك الحقبة على أنها انتصار اقتصادي بفضل النمو القوي في الوظائف.
ومع ذلك، إذا سألت الناس “كيف حال الاقتصاد؟” مقابل “كيف حالك؟”، تحصل على إجابة مختلفة تماماً: لقد تراجعت المعنويات الاقتصادية.
يمكنك القول إن الناس يكرهون التضخم حتى مع استمرار ارتفاع دخولهم لأنه ينقل شعوراً بأن الأمور خارجة عن السيطرة. وهناك بالتأكيد سبب لذلك، على الرغم من أن ثقة المستهلك أسوأ مما كنت تتوقعه في ضوء التضخم الأخير.
ولكن إليك نتيجة أخرى غريبة من الاستطلاعات: ظلت توقعات التضخم على المدى الطويل مستقرة بشكل ملحوظ، مما يشير إلى أن الناس “لا يرون” أن الأمور خارجة عن السيطرة. ومرة أخرى، فإن النفور من التضخم لا يمكن أن يفسر السبب في أن الناس يقولون إنهم يفقدون الوظائف وسط هذه الطفرة الهائلة للتوظيف.
لذلك هناك شيء غريب يحدث هنا، حتى لو لم يكن واضحاً تماماً. من خلال تجربتي، فإن العديد من الأشخاص في وسائل الإعلام الإخبارية يشعرون بالغضب الشديد عندما تتحدث عن الانفصال بين التصورات الاقتصادية والأداء الفعلي، إما لأنهم يتخيلون أن هذا يبدي ازدراء للأميركيين العاديين أو لأنهم يعتبرونه تأكيداً على أنهم لا يمارسون عملهم. في الحقيقة، لست متأكداً على الإطلاق مما يفسر هذا الانفصال. لكن الأمر يتطلب التواءات فكرية غير عادية لإنكار وجود الانفصال.
وانظر، هناك الكثير من الأدلة على أن التصورات العامة للمجتمع يمكن أن تختلف عن الواقع. حتى استطلاعات ميشيجان لاحظت أن التصورات الاقتصادية تتأثر الآن بشكل كبير بالحزبية. هذا ينطبق على كلا الحزبين، على الرغم من أن التأثير أقوى بالنسبة للجمهوريين، الذين لديهم شعور أكثر سوءاً تجاه الاقتصاد مقارنة بما كانوا عليه في يونيو 1980، عندما كانت البطالة أعلى من 7%، بينما كانت نسبة التضخم تبلغ 14%.
أو لاحظ معدلات الجريمة. لقد ارتفعت معدلات الجريمة في السنوات القليلة الماضية، ولكن هذا يأتي بعد انخفاض ملحمي بين أوائل التسعينيات ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، خلال حقبة تراجع الجريمة، كان الناخبون يقولون باستمرار لمنظمي استطلاعات الرأي إن معدلات الجريمة آخذة في الازدياد.
لذا فإن ما يعتقده الناخبون لا يعكس الواقع دائماً. عندما يجادل مسؤولو إدارة بايدن بأن أداءهم الاقتصادي أفضل من التقدير الذي يحصلون عليه، فإنهم محقون في ذلك.
وعلى الرغم من أنني لا أهدف إلى مهاجمة وسائل الإعلام الإخبارية، إلا أنني أشعر أننا نفتقد جزءاً كبيراً من القصة إذا أخذنا وجهات نظر عامة سلبية في ظاهرها عن الاقتصاد دون الإشارة إلى أنها تختلف ليس فقط مع إحصاءات رسمية، ولكن أيضاً مع التجربة التي استخلصتها بنفسي. وعلينا أن نحاول فهم مصدر هذا الانفصال.