بقلم: عمر عليمات – صحيفة الدستور
الشرق اليوم- قبل أكثر من عام مُنع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من استخدام غالبية منصات التواصل الاجتماعي بحجة الحفاظ على السلم العام، وذلك في خطوة لاحقة للهجوم شبه الشامل من وسائل الإعلام الأمريكي التي شنت عليه حملة منظمة لإخراجه من البيت الأبيض.
اليوم يتكرر ذات السيناريو مع روسيا من خلال تقييد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وحجب بث القنوات والمواقع الروسية وأبرزها روسيا اليوم وسبوتنيك في الفضاء الأمريكي والأوروبي بحجة مكافحة التضليل الروسي.
العالم الغربي ومنذ عقود طويلة مَثَّلَ للكثيرين نموذج الحرية وخاصة فيما يتعلق بحرية التعبير عن الرأي باعتبار ذلك أحد الحقوق الأساسية للإنسان ما دام لا يشكل هذا الرأي خطراً على حياة الناس أو ينشر الكراهية والعنف، ووصل الأمر بأمريكا وبعض بلدان أوروبا الغربية باعتماد التقارير المتعلقة بحرية الإعلام والصحافة كأحد أدوات تقييم الأنظمة السياسية والانفتاح عليها.
ما حدث مع ترامب سابقاً ويحدث اليوم مع روسيا يختصره تصريح لوزير الصحة البريطاني السابق مات هانكوك والذي قال فيه: “منصات التواصل تختار من يجب ومن لا يجب أن يكون له صوت”، وهذا ما ينطبق على الوسائل الإعلامية التقليدية، فغالبيتها قررت أن يستمع العالم للسرد الأوكراني المسنود غربياً وإقصاء السرد الروسي.
بعيداً عن التعاطف مع الشعب الأوكراني أو الاقتناع بوجهة النظر الروسية أو الغربية إلا أن ما يحدث فيه إساءة بالغة لاستخدام السلطة الإعلامية التي تمتلكها المنصات والوسائل الإعلامية، فبأي حق قررت أن العالم قابل للتضليل وليس لديه القدرة على التفريق بين الدعاية والحقيقة؟ ولماذا نصبت نفسها وصياً على الناس وقررت أن السرد الغربي هو الوحيد الذي يستحق أن يصل للجميع؟.
الغرب الذي سقط أخلاقياً في تعامله مع الفارين من الحرب الأوكرانية هو ذاته الذي يمارس دور الرقيب والوصي على العالم، ويحدد مَن يستحق الحياة ومَن لا قيمة لحياته، وهو الذي يفتح الفضاء أمام الصوت الذي يريده ويغلقه في وجه مَن لا يتماشى مع آرائه وقناعته.
الحرب الأوكرانية الروسية أسقطت القناع الغربي الذي لطالما تباهى باحترامه لحرية الرأي ومحاربة العنصرية، وقسم العالم بناء على هذين الأمرين، وأعطى نفسه الحق للتدخل في شؤون الدول الداخلية بحجة حماية الحريات ومنع الاضطهاد الذي يمارس بناء على اللون والعرق والدين.
الكثيرون منا في العالم العربي يهللون لكل ما ينشر في الصحافة الغربية وخاصة ما ينشر تحت عنوان “التسريبات” باعتبار ذلك حقيقة ثابتة بناء على القناعة بأن وسائل الإعلام الأجنبية لا تنطق إلا بالحقيقة، هؤلاء عليهم أن يعيدوا التفكير جيداً فهذه الوسائل تضخم ما تريد وتغض الطرف عما تريد وكل ذلك لخدمة مشروع أو توجه يحقق أهدافها ويتماشى مع أفكارها.
بالمحصلة فإن قناع الحرية وحقوق الإنسان سقط بلا رجعة، فدائماً هناك مَن يمسك بــ”الريموت كنترول” ليحدد لنا ما يجب أن نعرف وما يجب ألا نعرف، فبعد سنوات قليلة قد نكتشف أن العالم تعرض لأكبر خديعة في التاريخ الحديث فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية الروسية.