الرئيسية / مقالات رأي / الحرب الروسية ـ الأوكرانية… عودة الحرب الباردة أم ولوج مرحلة جديدة؟

الحرب الروسية ـ الأوكرانية… عودة الحرب الباردة أم ولوج مرحلة جديدة؟

بقلم: د. حسن الجنابي – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- يصعب التكهن بما ستؤول إليه الحرب الروسية – الأوكرانية حالياً. فهي تتحول تدريجياً إلى احتلال قاسٍ لن يكون قصيراً. ولن يمكن لأي اتفاق محتمل بين البلدين لإيقاف الحرب عن طريق المفاوضات، أن يضع خلافات البلدين جانباً والشروع ببداية جديدة تغفل أحقاد التاريخ، سواءً ما قبل الحقبة السوفياتية أو في أثنائها وما تلاها، مما قاد إلى هذه الحرب المدمرة الجارية في أكثر القارات استقراراً ورفاهية. قارة مثقلة بإرثها الاستعماري المظلم، إلى جانب مسؤوليتها الراسخة عن اندلاع حربين عالميتين كادتا تنهيان الحضارة البشرية برمتها استخدمت فيهما الأسلحة الكيماوية والذرية.

أعتقد أن هذه الحرب، بصرف النظر عمن ينتصر فيها، إن كان ثمة “منتصر”، هي إيذان بدخول العالم مرحلة لم تعد فيها ترتيبات ما بعد الحرب الباردة نافعة. فالعالم الأحادي القطب الذي تحكمت فيه، وما زالت لحد اليوم، قوة عسكرية واقتصادية هائلة، “استكمل” على ما يبدو وظيفته في تأمين الاستقرار الدولي بعد انتهاء الصراع السوفياتي – الأمريكي، وإن الاستقرار الظاهري السائد منذ انهيار القطب السوفياتي، برغم بداياته الواعدة، وأهمها استبعاد نشوب حرب نووية بين الأقطاب، صار استقراراً مخادعاً لم تتحقق فيه شروط عادلة لإدارة العالم. وظهر أن العالم لم يبتعد عن خطر الدمار النووي، كما اعتقدنا سابقاً إثر نهاية الحرب الباردة بهزيمة أحد طرفيها، بل إن العالم اليوم أقرب من أي وقت مضى من الحرب النووية، ونحن نشهد فعلياً لا نظرياً وضع السلاح النووي على أعلى درجات الاستعداد.

تدور هذه الحرب في قلب العالم ومحيطه القريب في شمال أوروبا. ويجري الدمار ليس فقط في “شرايين” الطاقة التي تؤمّن الحياة المرفّهة للقارّة القديمة، بل في قيمها الحديثة وأسس كيانها. وحتى العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة التي شرعت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها من المجموعة الأوروبية وغيرها ضد روسيا، لن يكون تأثيرها أحادي الجانب، كما حصل في العقوبات الاقتصادية ضد العراق في التسعينات أو ضد إيران أو كوريا الشمالية حالياً، وأبلغ دليل على ذلك الارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط وفوضى البحث عن بدائل للطاقة، إلى جانب ارتباك سوق الغذاء الذي سيبرز قريباً.

يتضح أيضاً أن بعض الأطر التقليدية نسبياً لتنظيم شؤون العالم انتعشت خلال الأيام الماضية، ومنها ما يشبه إعادة “اللُّحمة” الأوروبية – الأميركية بعد تدهورها أثناء حقبة دونالد ترمب، وما رافقها من الخروج الماراثوني لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي شكل الثيمة الرئيسية لكل النشاط السياسي البريطاني طيلة سنوات. وبعد أن خفتت “الحمى” الأمريكية إثر انتخاب الرئيس جو بايدن، وتدهور شعبية بوريس جونسون نتيجة لتعاطيه مع تقييدات “كوفيد – 19″، جاءهم فلاديمير بوتين بفرصة ذهبية للبروز مجدداً وقيادة المواجهة السياسية والاقتصادية والأخلاقية مع اجتياح الرئيس بوتين بلداً عضواً في الأمم المتحدة.

كان من الأجدى للرئيس بوتين أن يواصل نهجه الدبلوماسي المستند إلى عدم عقلانية توسع حلف “الناتو” بالطريقة المقلقة التي جرت بها، وبالأخص إدخال أعضاء حلف “وارسو” المنحل وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق تحت هاجس الهلع والخوف من روسيا. ويبدو لي أنه كان من شأن ذلك أن يكسبه أصدقاءً جدداً، وفي أسوأ الأحوال لا يكسبه أعداءً جدداً. فـ”الناتو” ونتيجة لزيادة عدد أعضائه أمسك بخناق روسيا، ولا يمكن للمنصفين ألا يلحظوا ذلك. كذلك يمكن تلمس اتجاه بارز في طموحات “الناتو”، الذي ارتبكت هيكليته واستراتيجيته كثيراً في حقبة الرئيس دونالد ترامب، وهو محاولة الحلف “التسلل” للسيطرة على مغاليق السياسة الدولية، خاصة الأمنية منها، والتخلي التدريجي عن دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن في إدارة شؤون العالم بالصورة التقليدية المألوفة التي لم تكن عادلة على الدوام لكنها تعكس توازنات مألوفة، والاستعاضة عنه بحلف “الناتو” ذي الاتجاه الأحادي المعروف. فحلف “الناتو” بالأساس هو حلف دول الشمال الغنية وليس فيه صوت “عالمثالثي” واحد، عدا تركيا المحاصرة نوعاً ما ضمن الحلف، التي تجري عرقلة سعيها لدخول الاتحاد الأوروبي. أما الأعضاء الجدد فلم يضيفوا للحلف أي قوة ملموسة عدا الجغرافيا القريبة من روسيا.

إن الفعل الأممي ضد روسيا، ممثلاً في إدانة الجمعية العامة لحربها ضد أوكرانيا، غير مسبوق أيضاً، بسبب الاجتياح لبلد مجاور، حصل أن لديه محاولات وأنشطة في معارضة السياسة الروسية. أما إجراءات الحصار المالي لروسيا فلا شك في فاعليتها، ولكن تداعياتها ستضرب دول الأطراف أيضاً ومنها منطقتنا العربية. فإضافة إلى النفط والغاز والصراع الدولي حول مصادر الطاقة، وتداعيات ذلك على منطقتنا التي تضم كبار مصدري النفط والغاز، فإن روسيا وأوكرانيا من أكبر منتجي القمح ومصدريه في العالم، ويزيد إنتاج البلدين على 110 ملايين طن سنوياً. ولا شك أن من شأن النقص في إمدادات القمح العالمي أن يربك سوق الغذاء، وستدفع بعض دول المنطقة ثمناً أغلى لذلك، آخذين في الاعتبار أن مصر والجزائر والعراق مثلاً من أكبر مستوردي القمح من الأسواق العالمية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …