افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – مع دخول الحرب في أوكرانيا أسبوعها الثاني لا يبدو، حتى الآن، أي أفق لتسوية سياسية ممكنة. فكل الجهود الدبلوماسية التي بُذلت، إلى الآن، لم تفلح في وقف التصعيد أو تضع حداً لآلة الموت، ولا قرار الأمم المتحدة الأخير الذي يدعو إلى وقف الحرب هو أيضاً قابل للتنفيذ.
الأبواب موصدة أمام أي حل، لأن مواقف الأطراف المتصارعة ما تزال على حالها؛ بل تزداد تصعيداً سواء في الميدان أو في المواقف السياسية والعقوبات الاقتصادية والمالية، وصولاً إلى وضع الخيار النووي على الطاولة.
روسيا تؤكد أن عملياتها العسكرية تجري وفق الخطط المرسومة، وأن مطالبها واضحة، ولن تتنازل عنها، لأنها تمس أمنها القومي، والدول الغربية لم تبدِ، حتى اللحظة، ما يشير إلى أنها قد تقبل بالشروط الروسية، وترى أن المقاومة الأوكرانية تعيق تقدم القوات الروسية التي لن تتمكن من تحقيق أهدافها، في حين تتزايد أعداد اللاجئين الأوكرانيين يومياً في دول الجوار، وتتعاظم معهم المأساة الإنسانية.
المؤشرات تدل، حتى الساعة، على أننا أمام حرب طويلة، طالما أن الأطراف المعنية لا تريد الاستماع إلى صوت العقل، ومراعاة المخاوف المتبادلة، والتوصل إلى صيغة حل متفق عليها، تشكل مدخلاً لتسوية، تضع حداً لتفرد طرف واحد بقيادة النظام العالمي.
نحن في الواقع نعيش الآن مرحلة مخاض نظام عالمي جديد، لا بد أن يولد من رحم الحرب الروسية – الأوكرانية الغربية، وهي مرحلة قد تكون مريرة وقاسية في مختلف جوانبها الإنسانية والاقتصادية والعسكرية، طالما أن كل أطراف هذه الحرب لا يبدو أنهم على استعداد للتنازل، ومراعاة مصالح بعضهم.
كل طرف لديه سلاحه وأوراق قوته ومبرراته، وهو يستخدمها في هذه الحرب. روسيا من جهتها، لن تتراجع عن مطالبها وشروطها، والدول الغربية لا يبدو أنها في وارد تقديم تنازلات، على الرغم من أنها لا تشارك مباشرة في الحرب، إنما تعمل على إطالة أمدها من خلال تزويد أوكرانيا بكل مستلزمات الصمود من مختلف الأسلحة، بهدف استنزاف القوات الروسية وإغراقها في المستنقع الأوكراني لسنوت طويلة على غرار ما حدث للاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة في أفغانستان، أي خروج روسيا منهكة وغير قادرة على تحقيق أي هدف من أهدافها، وخصوصاً ما يتعلق بوقف زحف الناتو باتجاه حدودها، وبالتالي توفير إمكانية اللعب في داخلها.
نحن في الواقع أمام لعبة شطرنج طويلة لن يتم حسمها بسرعة وسهولة، لأنها تستهدف تغيير خرائط وتوازنات ومواقع قوة، وهي بهذا المعنى تأخذ شكل حرب كونية مصغرة يتم فيها استخدام السلاح والمال والاقتصاد والإعلام والحرب النفسية، مع احتمال الانزلاق نحو خيارات كارثية مثل اللجوء إلى الخيار النووي في حال شعور أي طرف أن وجوده بات مهدداً.
الحرب طويلة وصعبة وخطرة، طالما أن منطق القوة هو المتاح، حتى الساعة، مع غياب آفاق السلام.