بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم– من أبرز المفاعيل التي بدأت تترتب على الهجوم الروسي على أوكرانيا، تحلل ألمانيا من القيود التي كانت تفرضها على نفسها منذ الحرب العالمية الثانية. وبعد تردد دام أشهراً، وافقت الحكومة الألمانية على أن ترسل إلى أوكرانيا صواريخ مضادة للدبابات والطائرات.
ليس هذا فحسب، بل إن المستشار أولاف شولتس أعلن أن بلاده ستزيد الإنفاق الدفاعي إلى أكثر من 2 في المئة من الناتج المحلي للمرة الأولى، وذلك من أجل “استثمار المزيد في أمن بلادنا لحماية الحرية والديموقراطية”.
وجدير بالذكر أن ألمانيا تعارض منذ فترة طويلة الضغوط من الولايات المتحدة ودول أخرى لزيادة إنفاقها الدفاعي، وذلك بسبب كوارث الحربين العالميتين في القرن العشرين.
ومنذ بداية الأزمة مع روسيا، وجه الغرب أصابع الاتهام إلى شولتس، متهماً إياه بالتردد في اتخاذ موقف حاسم حيال روسيا بسبب اعتماد ألمانيا على أكثر من 40 في المئة من استهلاكها للغاز على ذاك الذي تستورده من موسكو. وعلى رغم التهديد بالعقوبات الأمريكية في السنوات الأخيرة، مضت العلاقات الألمانية – الروسية في خط بياني متصاعد، وصولاً إلى إنجاز خط الأنابيب “نورد ستريم-2” الذي بلغت كلفته 11 مليار دولار، ويصل روسيا مباشرة بألمانيا عبر بحر البلطيق. وكان مقرراً أن ينقل هذا الخط أكثر من 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى ألمانيا سنوياً.
إلا أن هذا الخط الذي لم يبدأ العمل به، رغم إنجازه في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كان الضحية الأولى لتطورات الأزمة الأوكرانية، إذ أخذ شولتس قراراً بوقف العمل به. وانضمت ألمانيا في الأيام الأخيرة إلى العقوبات التي فرضت على موسكو، لا سيما تلك المتعلقة بنظام “سويفت” المالي. وبدأت مواقف شولتس وغيره من المسؤولين الألمان تنحو منحى متشدداً حيال موسكو.
ومع ذلك، بقي أن أكثر ما أثار اهتمام المراقبين، كان الخروج على تقليد عدم إرسال السلاح الألماني إلى مناطق تشهد نزاعات.
وعلى رغم أن دولاً أوروبية وغير أوروبية أغرقت أوكرانيا بالسلاح، فإن للسلاح الألماني رمزية خاصة بالنسبة إلى موسكو، لأن هذه المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي سيوجه فيها سلاح ألماني إلى جنود روس.
وإذا كانت روسيا قد تقبلت موضوع العقوبات الألمانية الاقتصادية على مضض، فإن تزويد برلين للجيش الأوكراني بالصواريخ، من شأنه أن يشكل حساسية خاصة ويوقظ ذكريات أليمة عن الحرب العالمية الثانية. كما أن رفع الموازنة الدفاعية الألمانية الذي سينال المديح في الولايات المتحدة سيزيد من القلق الروسي، لأن تسلح ألمانيا سيكون موجهاً بالدرجة الأولى لمواجهة روسيا ما بعد أوكرانيا.
وهذا ما يطرح تساؤلات عن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الحكومة الألمانية في إعادة نشر النزعة القتالية لدى الشعب الألماني، مع إعادة التسلح، لأنه ليست روسيا وحدها التي ستنتابها الشكوك، بل أيضاً دول أخرى مجاورة لألمانيا، حتى ولو كانت تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي.
وهكذا بدأت مرحلة ما بعد أوكرانيا تلقي بثقلها على كل الدول الأوروبية، وترخي بظلالها على قرارات دول عدة، بينها السويد مثلاً، التي هي الأخرى كسرت تقليد عدم إرسال أسلحة إلى مناطق النزاع، وقررت تزويد أوكرانيا بالسلاح. كما أن مطالبات بدأت تبرز في البلاد بضرورة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وكذلك الحال بالنسبة إلى فنلندا.
هذه أولى ترددات الهجوم الروسي على أوكرانيا. ومن الممكن أن تشهد الدول الأوروبية المزيد من التغييرات، المستندة إلى استخلاص العبر من الدرس الأوكراني.