بقلم: د. عبدالله أحمد آل علي – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – ثمة دلالات مهمة للزيارة الخليجية الرباعية، من قبل وزراء خارجية كل من السعودية والكويت وسلطنة عمان والبحرين، إلى جانب الأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي، إلى الصين لمدة خمسة أيام، بدعوة من بكين، في مستهل هذا العام. وقد أحرز الطرفان تقدماً في مفاوضات اتفاق التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي.
وفي بداية شهر فبراير/شباط الماضي، شهد افتتاح أولمبياد بكين الشتوية مشاركة خليجية رفيعة المستوى من جانب كل من كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر. كما شاركت السعودية في حفل الافتتاح بوفد ضم ثلاثة أمراء، على رأسه الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية.
يحمل هذان الحدثان، وغيرهما، أكثر من دلالة سياسية واقتصادية، لعل أهمها الحرص الخليجي على تكريس وتمتين شراكتها الاستراتيجية بالصين، في سياق سياسة دول مجلس التعاون القائمة على الانفتاح وتنويع الشركاء الدوليين، على الرغم من التحفظات الأمريكية. وقد حفزت الفجوة الأمنية الاستراتيجية التي تركتها الولايات المتحدة، إثر انسحابها من أفغانستان، شركاءها في منطقة الخليج العربي إلى توسيع خياراتهم الاستراتيجية وتنويعها. كما أن تطور العلاقات الصينية الإيرانية يعد متغيراً مهماً في هذا السياق؛ حيث وقعت الصين وإيران، في مارس/آذار 2021، اتفاق شراكة استراتيجية شاملة لمدة 25 عاماً، تتضمن، ضمن ما تحتويه، شراء الصين النفط الإيراني، واستثمارات صينية بقيمة تصل إلى حوالي 400 مليار دولار في قطاعات النفط والنقل والبنية التحتية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إيران.
وتدرج الصين دول الخليج العربي ضمن استراتيجيتها الكبرى «مشروع الحزام والطريق»، الذي يستهدف المشروع زيادة ترابط الصين اقتصادياً مع أوروبا وإفريقيا وآسيا، عبر شبكة واسعة من ممرات النقل البرية والبحرية. وفي عام 2015، تم طرح «مبادرة الحزام والطريق» في منطقة الخليج العربي، وغدت الركيزة الرئيسية للسياسة الصينية تجاه المنطقة، والمحور الرئيسي للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين. ومنذئذ، هناك تصاعد ملحوظ للسياسة الصينية في المنطقة عبر تواتر زيارات المسؤولين الصينيين لدولها بهدف تعزيز التنسيق والتشاور معها بشأن المشروع، توجت بزيارة الرئيس الصيني للمنطقة في يناير/كانون الثاني 2016. ومن ناحيتها، أعلنت دول الخليج مشاركتها في «مشروع الحزام والطريق» بتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي؛ بل وتأسيس شراكات استراتيجية شاملة، مع الصين.
رأت دول مجلس التعاون في «مبادرة الحزام والطريق» فرصة كبيرة لتحقيق خططها الاقتصادية الجديدة التي ترتكز على تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط، والتحول إلى مراكز دولية للتجارة والسياحة. وسرعان ما أصبحت شركاء رئيسيين في المبادرة. فالصين، من منظور قادة دول المجلس، قادرة على إنعاش الاقتصادات الخليجية عبر سلسلة من المشروعات والاستثمارات الاقتصادية والمالية؛ وهي الشريك النفطي الرئيسي لهذه الدول، ومساهم أساسي في تحقيق تطلعاتها في مجال الطاقة البديلة. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج 180 مليار دولار عام 2020؛ لتصبح الصين الشريك التجاري الأول للصين لتحل محل أوروبا.
تولي أبوظبي أهمية خاصة للمبادرة، وخاصة أنشطتها البحرية، وتعدها فرصة مواتية لتطلعاتها التنموية والاستثمارية إقليمياً ودولياً. وقد ضخت الإمارات عشرة مليارات دولار في صندوق استثمار صيني- إماراتي مشترك لدعم مشاريع المبادرة في شرق إفريقيا، ووقعت أكثر من 13 مذكرة تفاهم مع الصين للاستثمار في مجالات متعددة داخل الإمارات.
وفي أعقاب الإعلان عن «رؤية 2035» لتقليل اعتماد الكويت على صادرات النفط، وتحويلها لمركز مالي وثقافي إقليمي، قام نائب الرئيس الصيني بزيارة للكويت أعرب فيها عن دعم الصين للرؤية الكويتية، موضحاً أنها تتسق بشكل كبير مع مبادرة الحرير. وفي إطار المبادرة، ارتقت العلاقات الصينية- الكويتية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، ما أثمر عن توسيع التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والمجال الأمني ومكافحة الإرهاب.
وعلى نفس المنوال، تقيم المنامة مبادرة الحزام والطريق في علاقتها برؤية البحرين الاقتصادية 2030. وثمة تعويل كبير من جانب البحرين على المبادرة لتحقيق رؤيتها الاقتصادية. كما تعتبر قطر شريكاً مهماً في المبادرة، التي تتسق مع الرؤية الوطنية القطرية 2030. ووسعت المبادرة أيضاً من نطاق الاستثمارات الصينية في مجال الغاز القطري، وكذلك الاستثمارات القطرية في الصين في مجالات متنوعة.
وتتسق المبادرة أيضاً مع إعادة الهيكلة الاقتصادية التي تجريها سلطنة عمان منذ 2011 لتنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على النفط.
والخلاصة أن المتفحص لأبعاد تطور العلاقات الاستراتيجية بين الصين ودول الخليج بكافة أبعادها الاقتصادية والأمنية والعسكرية يستنتج أنها تستند إلى مرتكز تبادل المصالح بين الطرفين. وثمة معادلة أمنية اقتصادية تتخلق ضمن تبادل المصالح الاستراتيجية الأمنية والاقتصادية وتحقق الاستقرار والتنمية في الإقليم الخليجي. وتوجد إيران حاضرة في صلب معطيات هذه المعادلة ضمن علاقتها الاستراتيجية المتطورة مع الصين.