بقلم: براهما تشيلاني – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – يـود قسم كبير من العالم الديمقراطي لو تظل الولايات المتحدة القوة العالمية المتفوقة، لكن مع التزام الولايات المتحدة على ما يبدو بالتوسع الاستراتيجي المفرط، فستصبح هذه النتيجة بعيدة الاحتمال.
تبدأ مشكلة القيادة العالمية الأمريكية في الداخل. تتسبب السياسات المفرطة بالتحزب والاستقطاب العميق في تآكل الديمقراطية الأمريكية وإعاقة المساعي الرامية إلى تحقيق أهداف بعيدة الأمد.
في السياسة الخارجية، يتجلى الانقسام الحزبي بوضوح في التصورات بشأن المنافسين المحتملين للولايات المتحدة، وفقاً لاستطلاع آراء أجري في مارس 2021، تُعَد الصين أكثر ما يثير قلق الجمهوريين، في حين يشعر الديمقراطيون بالقلق إزاء روسيا في المقام الأول.
ربما يفسر هذا سبب تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن مع روسيا على أنها منافس نظير، في حين أنه يجب أن يركز على التحدي من جانب نظير أمريكا الفعلي، الصين.
بالمقارنة مع روسيا، يعادل عدد سكان الصين عشرة أمثال عدد سكان روسيا، واقتصادها يعادل عشرة أمثال حجم اقتصاد روسيا، وإنفاقها العسكري أكبر بنحو أربعة أضعاف.
الواقع أن الصين ليست أعظم قوة فحسب، بل إنها تسعى صادقة إلى أن تحل محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة العالمية المتفوقة.
يبدو أن التعجيل بتراجع القيادة العالمية الأمريكية ليس حكراً على الديمقراطيين، فقد فشلت كوكبة من قادة الولايات المتحدة من الحزبين في إدراك حقيقة مفادها أن النظام العالمي أحادي القطبية الذي أعقب نهاية الحرب الباردة، والذي اتسم بهيمنة الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية بلا منازع، ولّى وانتهى منذ أمد بعيد.
بعد انتصارها في الحرب الباردة، تباهت الولايات المتحدة بنصرها لفترة مطولة، وراحت تمارس مناورات استراتيجية تفاخرت بهيمنتها.
من أبرز هذه المناورات أنها سعت إلى توسيع منظمة حلف شمال الأطلسي «ناتو»، لتمتد إلى ساحة روسيا الخلفية، لكنها بذلت أقل القليل من الجهد لإدخال روسيا إلى الحظيرة الغربية، كما فعلت مع ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي حين تظل الولايات المتحدة القوة العسكرية الرئيسية في العالم، فإنها أصبحت منهكة بفعل القرارات التي اتخذتها والتعهدات التي بذلتها في أوروبا وأماكن أخرى منذ عام 1991.
لكن قادة الولايات المتحدة ارتكبوا خطأ فادحاً آخر منذ الحرب الباردة، من خلال مساعدة صعود الصين، ساعدوا في خلق أكبر منافس واجهته بلادهم على الإطلاق.
من المؤسف أنهم لم يتعلموا الدرس المستفاد من هذا بعد، فبدلاً من ذلك، تواصل الولايات المتحدة تكريس قدر غير كافٍ من الاهتمام والموارد لمجموعة واسعة للغاية من القضايا العالمية، من نزعة روسيا والصين، إلى تهديدات أقل شأناً في الشرق الأوسط وأفريقيا وشبه الجزيرة الكورية. كما تستمر عن غير قصد في تعزيز نفوذ الصين العالمي، وخاصة من خلال الإفراط في استخدام العقوبات.
على سبيل المثال، من خلال منع الأصدقاء والحلفاء من استيراد النفط الإيراني، عملت إدارتان أمريكيتان متعاقبتان على تمكين الصين ليس فقط من تأمين النفط بخصم ضخم، بل وأيضاً لتصبح من أكبر المستثمرين في إيران، وشريكة أمنية لها. على نحو مماثل، دفعت العقوبات الأمريكية دولة ميانمار الغنية بالموارد إلى أحضان الصين.
كانت روسيا تسأل نفسها ذات السؤال. برغم أن روسيا والصين حافظتا على المسافة بينهما لعقود من الزمن، فإن العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 دفعت الرئيس فلاديمير بوتين إلى ملاحقة شراكة استراتيجية أوثق مع الصين.