الرئيسية / مقالات رأي / هل فشلت أمريكا في امتحان التاريخ؟

هل فشلت أمريكا في امتحان التاريخ؟

بقلم: السيد أمين شلبي – المصري اليوم

الشرق اليوم – على مدى قرابة نصف القرن، اشتبكت الولايات المتحدة، بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية، باعتبارها القوة العالمية البارزة، في منافسة وصراع مع خصمها العنيد، وهو الاتحاد السوفيتي الذي ينافسها على المكانة في العالم، وهو صراع كاد يضعها، ويضع العالم معها على حافة حرب نووية. مع بداية تسعينيات القرن الماضي، سقط الاتحاد السوفيتي كإمبراطورية، وكنظام وكأيديولوجيا، حيث إن هذا السقوط من داخله، وبدون إطلاق رصاصة واحدة، وهذا التحول التاريخي في موازين وعلاقات القوى جعل من الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأعظم في العالم.

وعند هذا المنعطف، تساءل مؤرخون وباحثون عن السلوك الذي يجب أن تنتهجه قوة عظمى لم يعد لديها أي خصم يضاهيها، كيف يجب أن تتعامل مع خصوم الأمس، هل تساعدهم على تغيير وجهتهم والنهوض من كبوتهم، وأن تقدم نموذجًا يقنع العالم بالقيادة الأمريكية ومصداقيتها؟ يجيب عن هذا السؤال المفكر لبناني الأصل، الأوروبي بالتبني، والذي أوصلته مكانته الفكرية إلى أن يصبح عضوًا في الأكاديمية الفرنسية، أمين معلوف، حيث يعود في الإجابة عن هذا السؤال إلى ما انتهت إليه الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب والاعتقاد أن عهده كان إيذانًا بتفويض المكانة والمصداقية المعنوية لأمريكا، ففي رأي «معلوف» أن هذا المنعطف الحاسم حدث قبل هذا بكثير، وعقب انتهاء الحرب الباردة مباشرة، حيث وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقع لم تستطع أي أمة أخرى أن تطمح إليه منذ فجر التاريخ، وهو موقع القوة العظمى الوحيدة على نطاق العالم، وكان في وسعها أن تُرْسِى بمفردها أسس نظام عالمي جديد، كما وعد الرئيس الذي ورث نهاية الاتحاد السوفيتي جورج بوش الأب. غير أن سلوك أمريكا جاء على عكس هذه التوقعات، وكانت البداية في موقفها من انكسار الاتحاد السوفيتي، خاصة أن الزعيم الأخير للاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف عقد العزم على أن ينخرط ببلده على طريق الليبرالية الاقتصادية والسياسية، وأظهر استعداده للتخلي عن الإمبراطورية، التي أنشأها «ستالين» في شرق أوروبا غداة الحرب العالمية الثانية. وكان أمام المسؤولين الأمريكيين الخيار إزاء هذا الوضع غير المتوقع، الذي كان يتجاوز آمالهم وتوقعاتهم، بين موقفين: فإما أن يواكبوا التطور الذي استهله «جورباتشوف»، ويقدموا له الدعم الاقتصادي والسياسي لتيسير الانتقال العسير والشجاع الذى كان يحاول تنفيذه. وإما أن يستفيدوا من الضعف الظاهر للقوة العظمى الخصم للقضاء عليها نهائيًا.

وفي تقدير «معلوف» أن الولايات المتحدة اختارت الطريق الخطأ، فلم تبذل أي جهود لكي تعاون «جورباتشوف» وتركت الاتحاد السوفيتي يتحلل ثم شرع في تقطيع أوصاله وأدمج عددًا من جمهورياته في منظمة حلف شمال الأطلنطي رغم احتجاجات موسكو. حدث هذا في تجاهل لأصوات خبيرة في التاريخ الروسي والسوفيتي، وكان لها دور بارز في إدارة الحرب الباردة، كالمؤرخ الدبلوماسي جورج كينان، الذي نبّه إلى أنه لا يسعنا الاستمرار في معاملة خصوم الأمس وكأنهم سيظلون خصومًا إلى الأبد، وأن إذلال الروس سيؤدي إلى تعزيز صعود التيارات القومية المؤيدة للعسكرة، والذي حدث أن صوت «كينان» انهزم أمام أصوات خبراء الإدارة، الذين وصفوا «كينان» بالسذاجة والضعف، وقالوا إن أمريكا يجب أن تنتهز الفرصة ومواصلة المكاسب وعدم إبداء الضعف بسبب المبادئ الأخلاقية والألاعيب الفكرية.

غير أن تطور الأحداث أثبت حكمة «كينان» وتحذيراته، فقد أدّت مواصلة الإدارات الأمريكية، وخاصة جورج بوش الابن، معاملة روسيا الاتحادية كخصم يجب تقليم أظافره، فأحاطته في بناء قواعد الصواريخ في البلدان التي كانت يومًا جزءًا من إمبراطورية الاتحاد السوفيتي، كبولندا والمجر، إلى توليد صعود التيارات القومية التي تبلورت في عهد الزعيم الروسي الجديد فلاديمير بوتين، الذي تولى السلطة بعد عهد بوريس يلتسين، الذي شهد انهيارًا لمقومات القوة الروسية، وأصبح من رسالة بوتين إعادة بناء روسيا من الداخل واستعادة مكانة روسيا الدولية، وهكذا عادت أجواء الحرب الباردة بين القوتين.

إن حالة الفوضى أو الارتباك، أو على الأقل عدم اليقين، التي تسود العلاقات الدولية اليوم، ربما تعطى مصداقية لتقدير «معلوف» أن الولايات المتحدة فشلت في اختبار التاريخ حين خرجت منتصرة ومنفردة من الحرب الباردة ولم تحقق ما وعد به رئيسها، الذي ورث نهاية الحرب الباردة جورج بوش الأب، بأن تبنى نظامًا عالميًا جديدًا عادلًا ومتماسكًا، فهل تفسر هذه الخلفيات ما يجري الآن من مواجهات حول أوكرانيا بين روسيا من ناحية والولايات المتحدة وحلف الناتو من ناحية أخرى، وهي المواجهة التي تدور حول ما تطلبه روسيا من «ضمانات أمنية» تجاه ما تعتبره تهديدًا لأمنها المباشر من تمدد الناتو، وكذا إقامة الولايات المتحدة قواعد صواريخ في بلدان أوروبا الشرقية، فضلًا عن دول البلطيق؟، وهل ما يُثيره الوضع الحالي من إمكانيات مواجهة شاملة تهدد الأمن الأوروبي، بل العالمي، يُذكِّر بما جرى عام 1962 حين وضعت الولايات المتحدة نفسها والعالم على حافة حرب نووية عندما اكتشفت أن الاتحاد السوفيتي وضع قواعد صواريخ في كوبا، أي على بُعد 90 ميلًا من حدودها، وظل العالم 13 يومًا يحبس أنفاسه حتى تغلبت الحكمة، وتم نزع فتيل الأزمة من خلال تنازلات متبادلة أساسها سحب الاتحاد السوفيتي صواريخه من كوبا؟ هذا سلسلة من الإجراءات لاستعادة العلاقات بين القوتين.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …