الرئيسية / مقالات رأي / روسيا وأوكرانيا ومصالح الدول العربية

روسيا وأوكرانيا ومصالح الدول العربية

بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – الدخول العسكري الروسي إلى أوكرانيا يمثل تجلياً حقيقياً ونموذجياً للأزمات الدولية الكبرى. والأزمة الأوكرانية بين روسيا والدول الغربية لها تاريخ قديم وحديث، وتبعات مستقبلية قصيرة وطويلة الأجل، والجدل حولها تتحكم فيه زوايا النظر وطبيعة المصالح.

من المهم التأكيد على أن الدول العربية وشعوبها جميعاً ليست طرفاً في هذا النزاع الدولي، لا من قريب ولا من بعيد، ومشكلة بعض وسائل الإعلام العربية هي أنها بسبب تقليدها للإعلام الغربي تنحاز لمواقفه سياسياً وإعلامياً دون أن تكون لها مصلحة مباشرةٌ في هذا الانحياز.

والحياد ممكن وفرز السياسات والمواقف سهلٌ ورصد المصالح العربية من كل ما يجري ميسورٌ، ولكن البعض يعشق التقليد ولا يحسن الاجتهاد. روسيا المعاصرة تمثل «الدولة القومية» الروسية، وينتقد الرئيس بوتين المرحلة السوفييتية وتفريطها في حقوق الشعب الروسي والدولة الروسية، وإرثه الذي يمجّده ليس في «الشيوعية» و«الاشتراكية» بل في «الإمبراطورية الروسية» الأقدم تاريخياً، ومع ذلك فالسياسات الغربية التي أسقطت «الاتحاد السوفييتي» حاضرة في ذهنه وفي سياسات بلاده.

حين يتحدث عن مخاوف من السياسات الغربية فهو يتحدث عن سياساتٍ سبق لها النجاح في إسقاط أعتا «نظام شيوعي» كان يمثل أحد قطبي العالم الكبار، فمخاوفه مبررةٌ منطقياً، ومطالبه واضحة، وأعلن عنها مراراً وتكراراً، والحلّ لها سهلٌ للدول الغربية في مجرد التأكيد بعدم ضمّ أوكرانيا لحلف الأطلسي، وهو ما تمتنع عنه الدول الغربية حتى اليوم ودون مبرراتٍ مقنعةٍ للمراقب العالمي.

قرار الحرب يستلزم تبعاته، والقوات العسكرية حين تدخل حرباً فمعاييرها ليست دبلوماسية أو ترفيهية لأن الحرب العسكرية بطبيعتها خشنة، وقد لا تكون مبررةً أو لا يمكن تبريرها، لكن يمكن فهمها وبناء تصور محكم حولها وبالتالي التعامل معها. الشعب الأوكراني يتعرض للقتل والتهجير وطوابير اللاجئين تزدحم على الحدود هرباً من الحرب، وهو يريد حلاً سريعاً ولا يوجد حل سريع لأزمةٍ بهذا العمق والتعقيد والتشعّب.

والعقوبات الدولية على روسيا تأخذ وقتاً طويلاً حتى تؤتي ثمارها، وروسيا ليست دولة ضعيفة أو صغيرة لتتأثر، والهبات الغربية بمئات الملايين من الدولارات ستساعد الوضع الإنساني بالتأكيد ولكنها غير مؤثرةٍ لا سياسياً ولا عسكرياً، وإرسال الأسلحة النوعية لأوكرانيا حالياً قد يطيل أمد الحرب العسكرية ولكنه مضرّ بالشعب الأوكراني أكثر من ضرره على روسيا.

قد تكون هذه حقائق باردةٌ في أثناء حربٍ ساخنةٍ، ولكن يجب استحضارها والتأكيد عليها قبل المبادرة لأي انحيازاتٍ مع هذا الطرف أو ذاك. أخيراً، فالدول العربية، قياداتٍ وشعوباً تعرف كيف ترعى مصالحها، وتتجنب الانخراط في أزمات العالم وصراعات دوله العظمى وتعرف كيف تتوازن في العلاقات الدولية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …