بقلم: أحمد مصطفى – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – بغض النظر عما ستؤول إليه الأوضاع في شرقي أوروبا، بعدما أقدمت روسيا على التدخل العسكري في أوكرانيا، فإن الصراع الذي اندلعت شرارته مرشح للاستمرار لفترة طويلة. فحرب النفوذ بين الغرب وروسيا لا تقتصر على أوكرانيا، ولا حتى على ما تطالب به روسيا من ضمانات من حلف الناتو لعدم تهديد أمنها القومي، أو ما تريده واشنطن من إعادة إحياء «تحالف ديمقراطي غربي».
فالصراع الحالي هو «تتويج» لصراع مكتوم منذ نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وتزامن مع ما سمّيت «الثورات الملونة» في دول أوروبا الشرقية، ومن بينها أوكرانيا التي شهدت ما سمّيت «ثورة برتقالية» أتت بنظام حكم موال تماماً للغرب، ومعاد لروسيا.
وصل الصراع الآن إلى حالة حرب، على صعد شتّى، حيث نشهد استعراضاً للقوة العسكرية، والعقوبات الاقتصادية، وكل أشكال الضغط والردع. وكما في كل حرب، هناك كاسب وخاسر، بدرجة أو بأخرى. صحيح أن في الحرب هناك خسارة لجميع الأطراف، لكن في المحصلة النهائية هناك من يكسب ومن يخسر، ولو نسبياً.
وطبيعي أن أول الخاسرين أوكرانيا نفسها، التي وقعت بين كماشة الطرفين الرئيسيين في الصراع. فلم يكن الحديث عن انضمامها لحلف الناتو سوى مدخل للحرب الحالية. وأياً كانت نتيجة الحرب فإن أوكرانيا المستقلة ذات السيادة الكاملة على أراضيها لن تصبح كذلك. حتى كل التصريحات الصارخة بدعم أمريكا وأوروبا لكييف لم تعوضها عن فقدان استقرارها، ولا حتى عن العائدات الكبيرة التي تحصل عليها من مرور الغاز الطبيعي الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا التي تستورد 40 في المئة من احتياجاتها من روسيا.
لن تكون العقوبات المتوقعة على روسيا ضارة بروسيا وحدها، مثل أي عقوبات شديدة وصارمة. بل ستضر بشركات وأعمال أوروبية أكثر من نظيراتها الأمريكية. وبالتالي، فأوروبا تكاد تكون متعادلة من حيث المكسب أو الخسارة، مع اختلاف التقدير النسبي حسب منظورك لنهاية الصراع/الحرب. وينطبق ذلك أيضاً على الطرفين الرئيسيين: موسكو وواشنطن. صحيح أنه بكل الحسابات حسب ما هو معروف من قدرات، لا تقارن القوة الروسية – عسكرياً واقتصادياً – بالقوة الأمريكية الطاغية باعتبارها أكبر عسكرية في العالم وأكبر اقتصاد في العالم.
وتبقى الأطراف في هذا الصراع التي يمكن أن يكون الكاسب والخاسر فيها متأثراً من دون تورط في أي حرب مباشرة. وإذا كان وضع حلفاء واشنطن يبدو أفضل بحكم قوة أمريكا وسطوتها واحتمالات فرض إرادتها في الحرب أو الصراع بأشكال أخرى مع روسيا، فإن النماذج القريبة لاستراتيجية أمريكا «فك الارتباط» مع العالم لا تجعل النتيجة يقينية. إنما إذا لم يكسب هؤلاء من تفوق أمريكا في الصراع فعلى الأقل لن تكون خسائرهم كبيرة كتلك التي ستطال حلفاء موسكو القليلين إذا خسرت روسيا الحرب، أو الصراع.
وهناك طرف مهم، أتصور أنه من يكسب الحرب الحالية، أياً كانت نتيجتها بالنسبة إلى الأطراف المباشرة فيها، ذلك هو الصين. فإذا حقق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أهدافه فستتعزز علاقة روسيا مع الصين مقابل علاقتها بأمريكا والغرب. والحرب في شرق أوروبا ستكون اختباراً لسياسة بايدن تستفيد الصين من نتائجه أياً كانت وهي تضع استراتيجياتها الخارجية.
أما آنيا، فإن انشغال أمريكا والغرب بالصراع مع روسيا يعطي الصين فرصة لتتنفس الصعداء، مؤقتاً، وتحاول صياغة موقف مستقبلي لمواجهة احتمالات أن «يأتي عليها الدور». فضلاً عن المكاسب الصينية التي بدأت تتحقق بالفعل حتى قبل تصعيد الصراع بشأن أوكرانيا. فاتفاقيات إمداد الصين بالغاز والنفط الروسي لسنوات قادمة بعشرات مليارات الدورات توفر للاقتصاد الصيني مصدراً مهماً للطاقة، وإن كانت توفر لروسيا أيضاً مصدراً للأموال في حال توقف صادراتها من الطاقة لأوروبا.
ويبدو، منذ الآن، أن الصين تكسب الحرب/الصراع في شرق أوروبا بين روسيا من ناحية، وأمريكا والغرب من ناحية أخرى، من دون أي كلفة تتحملها بكين.