بقلم: علي قباجه – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يبدو أن الأزمة الروسية – الأوكرانية، انزلقت إلى مستويات خطرة مع بدء عملية عسكرية روسية متعددة الجبهات تهدف إلى تحييد جيشها ونزع سلاحه و«قطع رأس» حكومة كييف على حد وصف واشنطن؛ وسبق العملية بأيام قليلة اعتراف الرئيس الروسي بوتين باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين عن أوكرانيا، وكانت هذه الخطوة مقدمة للعمل العسكري.
بوتين هيأ الأجواء العامة بخطاب وجهه إلى الأمة سرد فيه جملة من الأسباب التي تدفعه إلى اتخاذ موقف «معادٍ» من كييف، التي تحولت كما يقول إلى حديقة خلفية للغرب، وقاعدة عسكرية تنفذ أجندات حلف الأطلسي لإيذاء روسيا، إضافة إلى سعي أوكرانيا لامتلاك أسلحة دمار شامل، وإبادة الناطقين بالروسية في شرق البلاد، ثم عاد ليؤكد أنّ بلاده لم يكن أمامها «أي سبيل آخر» للدفاع عن نفسها سوى شنّ هجوم عسكري، وعد ما يجري حالياً إجراء قسري «لأنّهم لم يتركوا لنا أيّ سبيل آخر للتحرك بشكل مختلف».
تصريحاته التي ترجمت بعمل عسكري واسع، أربك المشهد في أوكرانيا، التي دعت إلى التعبئة العامة والقتال، لكن ذلك لم يمنع الجيش الروسي من الوصول إلى تخوم كييف خلال ساعات من بدء المعركة، حيث تشير معظم التقديرات إلى أنها محسومة لصالح الروس.
شرارة الحرب اندلعت، ولا مجال للعودة إلى الوراء، لذا فإن القادم قاتم، ويحمل بين ثناياه تداعيات مدمرة إن اختلت الحسابات والموازين، فالخطأ هنا مكلف جداً، في ظل حالة التحفز العسكرية القصوى بين الشرق والغرب، فبوتين هدد كل من يحاول التدخل في شؤون بلاده أو إيقافها عن عمليتها العسكرية برد فوري «سيؤدي إلى عواقب لم يختبرها أحد في تاريخه»، بينما أعلنت أوروبا وأمريكا عقوبات قاسية جداً، لضرب الاقتصاد الروسي في مقتل، بالتزامن مع استعداد قوات حلف «الناتو» لمواجه أي تمدد روسي نحو الدول المنضوية فيه.
الحرب على أوكرانيا كانت الأعنف والأشد أثراً في أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فهي مقدمة لعودة روسيا قطباً عالمياً. فالقارة العجوز أمام اختبار تاريخي قد يغير خارطتها الجيوسياسية، ففشلها في الوقوف بوجه الروس يعني أنها ستبقى تتراجع لمصلحة «الدب» الذي يحن للعودة إلى أمجاده السابقة، في حين أن أمريكا تلعب على مجموعة من الحبال للاستفادة من الحرب، إذ إنها قد تستغل الحرب لوضع أوروبا تحت عباءتها مجدداً بعد أن كثر مؤخراً الحديث عن استقلال القارة عنها، وذلك من خلال تخويفها بـ«البعبع» الروسي، ثم استنزاف روسيا بحرب ومواجهات وحصار اقتصادي يضعفها، حتى وإن حققت موسكو بعض المكاسب.
الأيام المقبلة، تحمل في جعبتها مخاطر كبيرة، إذ إن أي خطأ قد يجرف الأمور إلى تصادم يمكن أن يقود إلى حرب عالمية لا تبقي ولا تذر، في ظل الأحلاف القائمة والمتناقضة، فروسيا وثقت علاقتها بالصين الراغبة بضم تايوان، والغرب عموماً بقيادة أمريكا يحشد لإضعاف خصومه، فإلى أين ستتدحرج الأمور؟.. هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.