بقلم: مناهل ثابت – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – في عام 1992، استحدث الكاتب الأمريكي نيل ستيفنسون، مفهوم «الميتافيرس» للمرة الأولى، في روايته «سنو كراش»، وتدور أحداث الرواية، حول دخول الشخصيات عالم «ميتافيرس» في صورة «أفاتار».
وهو شبيه افتراضي للشخصية. ثم تم تطوير استخدام المصطلح مع الزمن، وقد كانت استخداماتها الأولى في منصات العالم الافتراضي، كمنصة سكند لايف Scand life عام 2003.
أما الأفاتار، فقد تم ابتكاره من قبل تشيب مورنينغستار (Chip Morningstar)، وجوزيف روميرو (Joseph Romero)، في عام 1985، عند قيامهم بتصميم لعبة (Habitat)، وهي لعبة متعددة اللاعبين على شبكة الإنترنت.
ثم أخذ المؤلفون في شركة دي سي كومكس الأمريكية، في استخدام مصطلح «ميتافيرس»، اعتباراً من عام 2019، للإشارة إلى نسخة مركزية من الواقع تؤثر في الإصدارات الأخرى في الخطوط الزمنية البديلة.
واستغل هذا المصطلح لأغراض تطوير وتضخيم العلاقات العامة لمختلف التقنيات والمشاريع من نفس النوع، نظراً لأن العديد من الألعاب الجماعية عبر الإنترنت، تشترك في الميزات مع الميتافيرس، ولكنها توفر الوصول فقط إلى الحالات غير الدائمة، التي يشاركها ما يصل إلى عشرات اللاعبين، فقد تم استخدام مفهوم الألعاب الافتراضية متعددة الأكوان، لتمييزها عن الميتافيرس.
لا تشير «ميتافيرس» بالمعنى الأوسع إلى العوالم الافتراضية فحسب، بل قد تشير إلى الإنترنت ككل، أو ما بعد الإنترنت، بما في ذلك النطاق الكامل للواقع المعزز.
في ميتافيرس، بوسع الأفاتار تجاوز عالم الواقع الذي نعيشه، ودخول عالم الواقع الافتراضي.
ولا يوجد تعريف محدد لميتافيرس، لكن شركة ميتا «فيسبوك سابقاً»، تصفه كالتالي: «مجموعة من المساحات الافتراضية، حيث يمكنك أن تبدع وتستكشف مع أشخاص آخرين ليسوا معك في الغرفة ذاتها، بوسعك التسكع مع الأصدقاء، والعمل، واللعب، والتعلم، والتسوق، والإبداع، وأكثر من ذلك».
وتحرص شركة ميتا، والعديد من شركات التكنولوجيا الأخرى، على توسيع مفهوم ميتافيرس، ليصبح واقعاً ملموساً، بتطوير الأدوات المطلوبة لإحياء تلك التقنية.
وتشير كلمة ميتافيرس عموماً، إلى المجتمعات الافتراضية أو العوالم المتداخلة، حيث يستطيع الأفاتار التواصل، لخوض غمار ميتافيرس، نحتاج إلى سماعات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، والساعات والنظارات الذكية.
سيتيح مجتمع الميتافيرس «وجود أسواق اقتصادية واسعة جداً، فمثلاً، سنجد أن كل الماركات التي نلبسها في الواقع، سيكون مقابلها أشياء افتراضية بثمن يوازيها، أو ربما يضاهيها، مثلاً ساعة الرولكس، بدلاً من شرائها أصلية في الواقع، ربما يفرض الميتافيرس عليك أن تشتريها افتراضياً، لتقوم بالتباهي بها أمام مجتمع العالم الافتراضي، وأيضاً كل شيء من متاع الواقع ومظاهره، سيارة، بيت افتراضي، تلفزيون سامسونغ الحديث، الذي يتمتع بخاصية شراء السلع الافتراضية»، ومن هنا، يمكن التأكيد على أن العملات الرقمية والمشفرة، ستجد لها المكان المناسب جداً وسط هذا الزخم الاجتماعي التفاعلي الرقمي، وسيكون لها دور كبير في التجارة داخل ميتافيرس، ولكن الكيفية نفسها، تقتصر على التكهنات في المرحلة الحالية.
سيكون هناك عوالم أخطر من الواقع ذاته الذي نعيشه، وسيكون هناك طبقات اجتماعية افتراضية، وسيكون هناك أمراض واعتلالات نفسية غريبة، لأنه عالم بلا حوكمة، إنه العالم الجديد، بنظامه الجديد والعجيب.
ويرى مراقبون أن ميتافيرس «لن يحمل خيراً، خاصة للمجتمعات النامية، التي تتحسس طريقها نحو المستقبل، وتستهدف تحقيق معدلات نمو أعلى لتغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي لسكانها، وهذا لن يحدث إلا بطريق العمل والإنتاج، والتربية الصحيحة، والعلم قبلهما، إلا أن ميتافيرس سيتحول إلى «مصيدة» للشباب وصغار السن، لجذبهم للألعاب الجديدة، وبرامج الواقع الافتراضية التي تخطف عقولهم وتستنفد أوقاتهم، بل الأمر أعمق من ذلك لنشر عادات اجتماعية جديدة، غالباً لن يقبلها المجتمع، سوف تسهم بصورة أو بأخرى، في انتشار وتمدد حجم جرائم الاغتصاب والتحرش والعنف البدني واللفظي».
يمكن القول أخيراً، إن الأمر قد يستغرق سنوات، بل عقوداً، حتى يؤتي ميتافيرس ثماره. كما يمكن التأكيد على أن عالم ميتافيرس الافتراضي، سيحول مجتمعات العالم إلى مجتمعات تعويضية، لأنها قد تذهب إلى إحلال العالم الافتراضي مكان عالمها الواقعي. وللحديث بقية.