بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – كل التقديرات تشير إلى أن مفاوضات فيينا النووية ستفضي في غضون أيام إلى تسوية على إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015. وفي حال نجاح المفاوضات غير المباشرة الدائرة حالياً بين واشنطن وطهران، فإن الطريق ربما يصبح سالكاً نحو حوار أميركي – إيراني مباشر.
وفي غمرة التطورات الكبرى التي يشهدها العالم من الدخول الروسي إلى أوكرانيا والتنافس الأميركي – الصيني الشرس في المحيطين الهادئ والهندي، ربما يهم أميركا أن تقفل جبهة أخرى عليها في الشرق الأوسط، عبر إعادة إحياء الاتفاق النووي.
بالنسبة إلى أميركا، قد يساهم إحياء الاتفاق في هذا التوقيت بإبعاد إيران بعض الشيء عن الصين وروسيا وربما يؤسس في مرحلة مقبلة نحو عودة طهران إلى الغرب عموماً وليس بالضرورة نحو الولايات المتحدة، في المستقبل المنظور.
فالاتفاق سيسمح للشركات الأوروبية بالعودة إلى الاستثمار في إيران بمنأى عن العقوبات الأميركية. ومعلوم أن الاستثمارات الأوروبية كانت فرّت من إيران بعدما سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أميركا من الاتفاق عام 2018 وأطلق حملة “الضغوط القصوى” على طهران من أجل حملها على تعديل الاتفاق.
ومع الارتفاع الحاد في أسعار الوقود في العالم نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية والعقوبات الدولية على روسيا، فإن الغرب قد يكون في حاجة إلى النفط والغاز الإيرانيين لتهدئة السوق. فالعقوبات على روسيا أحدثت مفعولاً عكسياً في الولايات المتحدة وأوروبا لناحية ارتفاع أسعار الوقود. مثل هذا الارتفاع قد يساعد في عودة الجمهوريين للإمساك بمجلسي الكونغرس في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
ومن هنا يصبح مفهوماً الضغط الذي مارسته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على الحكومة الإسرائيلية من أجل عدم القيام بأي عمل، من شأنه أن يقوّض المساعي الأميركية لإحياء الاتفاق، وتالياً خدمة الهدف الإستراتيجي في إعادة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية.
وعلاوة على ذلك، تأمل واشنطن من رفع العقوبات عن إيران، بأن تقنع طهران بعدم الذهاب في الخيار الشرقي إلى النهاية. ومن المعروف أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اقترح خلال زيارته موسكو في أوائل شباط (فبراير) الجاري، إبرام معاهدة تعاون مع روسيا تمتد لعشرين عاماً على غرار المعاهدة الإستراتيجية التي وقعتها الحكومة الإيرانية العام الماضي مع الصين لمدة 25 عاماً.
وهذه أنباء مقلقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة. فالخيار الشرقي لإيران يتيح للصين وروسيا حضوراً لم يسبق أن تمتعا به في منطقة الخليج. وكانت المناورات البحرية المشتركة بين إيران والصين وروسيا في شمال بحر عمان أوائل هذا العام، تحت أنظار البحرية الأميركية، رسالة إلى ما يمكن أن يسفر عنه التعاون بين الدول الثلاث في المستقبل.
ومن وجهة النظر الأميركية، فإن إحياء الاتفاق النووي من شأنه أن يكسر حدة الحماس الإيراني في الذهاب بعيداً في العلاقات مع الصين وروسيا، بينما سيفتح تجديد العلاقات التجارية مع الغرب، الآفاق أمام طهران لنسج علاقات أقوى مع بعض الدول الأوروبية.
وأخذاً في الاعتبار هذه النقطة، يصبح مفهوماً سبب الإلحاح الأميركي على حوار مباشر مع طهران، ولماذا تنشط أكثر من قناة خلفية على هذا المسار مثل قطر وسلطنة عمان.
إن التغييرات الجارية في أوروبا والعالم، كانت دافعاً فعلياً لأميركا كي تتجاوز الكثير من العقبات من أجل التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي. فإنهيار مفاوضات فيينا كان سيعني أن إيران قد حسمت خياراتها في الوقوف إلى جانب الصين وروسيا في المواجهة الدولية الكبرى، فضلاً عن أن أميركا ستواجه المزيد من المتاعب في الشرق الأوسط.
ولا يمكن إلا أخذ هذا البعد في الاعتبار عند تحليل العوامل التي أدت إلى إحياء الاتفاق النووي.