بقلم: مرسي عطا الله – الأهرام
الشرق اليوم – مع التسليم بأن أحد أهم دوافع روسيا لشن الحرب ضد أوكرانيا هو حماية أمنها القومي بالحيلولة دون انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلنطي وبالتالي نقص التفاهم المعمول به بين روسيا وحلف الأطلنطي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بأحقية روسيا في وجود منطقة عازلة بينها وبين الحلف الأطلسي لكن هناك عوامل أخرى برزت على السطح في الآونة الأخيرة حتمت على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يسرع بالذهاب إلى حرب محسوبة لحماية مصالحه الاقتصادية الواسعة في أوروبا كأكبر مصدر للغاز والنفط إلى أوروبا.
وفضلا عن ذلك فإن بوتين رأى في تزايد إلحاح الرئيس الأوكراني زيلينسكي على منظمة حلف الأطلنطي لقبول عضوية أوكرانيا بالتوازي مع تصاعد قوة اليمين المتطرف في أوكرانيا والسعي إلى إلغاء تعليم اللغة الروسية وتشديد الضغط على الأقاليم الانفصالية التي يتحدث أغلب سكانها باللغة الروسية.. رأى بوتين أن هذه التوجهات تتجاوز حدود الاستفزاز لروسيا وتقترب من أن تمثل تهديدا صريحا للأمن القومي الروسي يستوجب إقدام موسكو على ضربة وقائية مسبقة.
ولا شك أن هواجس ومخاوف روسيا قد تزايدت في العامين الأخيرين مع تصاعد حدة المعارضة من جانب أمريكا والعديد من الدول الغربية لإنشاء خط نقل الغاز «نورد ستريم 2» إلى ألمانيا والذي تكلفت روسيا في مراحل إنشائه ما يزيد على 11 مليار دولار وهو ما يلحق بالاقتصاد الروسي خسائر هائلة وإهدارا باهظا لتلك الاستثمارات الضخمة التي ضختها موسكو في تشييد البنية الأساسية لشبكة «نورد ستريم2».
ثم إن روسيا كانت ومازالت تشعر بعدم الاطمئنان لوجود نظام حكم معادي لها وموالي تماما للغرب وبالتالي وجود تهديد لاستمرار تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب التي تمر من باطن الأرض الأوكرانية منذ سنوات حيث يشكل عائد هذا الغاز المصدر عبر أوكرانيا جانبا كبيرا من موارد روسيا من العملات الحرة وكأحد أهم ركائز الموازنة المالية لموسكو.
وظني أن كثيرا من جوانب ألغاز الأزمة الأوكرانية بدأت تنكشف وأن صرخات الرئيس الأوكراني بأن بلاده لم تجد أحد يدافع عنها ربما تشير إلى تعهدات لم يتم الوفاء بها من جانب من حرضوا على إشعال الأزمة وكان همهم في المقام الأول إيجاد المبرر المقنع لألمانيا لوقف خط تشغيل خط أنابيب «نورد ستريم2» تحت مظلة العقوبات الأمريكية والأوروبية ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا الذي تم التمهيد له باستفزازات مقصودة لموسكو لم تترك أمام بوتين أي خيار سوى خيار الحرب بل وعدم التراجع عن بلوغ كافة أهدافه مهما يكن الثمن.
وظني أن كلفة الغزو ستكون ثقيلة على روسيا اقتصاديا وسياسيا ولكن الذي سيدفع الثمن الأكبر هو أوكرانيا ومعها أوروبا في حين أن أمريكا ستكون المستفيد الوحيد مما يجري خصوصا على صعيد حرب الطاقة التي ظهرت بشائرها!
خير الكلام: الخطأ خطأ بصرف النظر عمن خطط له ومن نفذه!