الرئيسية / مقالات رأي / الصّين هي الرابح الأكبر من الحرب والتّداعيات ستشمل الشّرق الأوسط

الصّين هي الرابح الأكبر من الحرب والتّداعيات ستشمل الشّرق الأوسط

بقلم: رياض قهوجي – النهار العربي


الشرق اليوم – تشكل الأزمة الأوكرانية فرصة مهمة جداً للصين لتحقق مكاسب استراتيجية وتعزز مكانتها في آسيا، وحتى في الساحة الدولية. فهذه الأزمة ستجعل منافسي الصين على الساحة الدولية يدخلون في حرب استنزاف مكلفة، في وقت يشهد العالم أزمة اقتصادية نتيجة تداعيات جائحة كورونا. كما ستغير هذه الأزمة من أولويات الغرب وتبعد الأضواء عنها، فيما هي تبني قدراتها وتتحضر للحظة التي ستنطلق لتأخذ مكانتها العسكرية والاقتصادية والسياسية عالمياً متى ما باتت جاهزة لذلك.
لقد أعلنت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا حزماً من العقوبات على روسيا، بعدما بدأت الأخيرة عملية عسكرية كبيرة داخل الأراضي الأوكرانية، واعترفت باستقلال إقليمين في شرق أوكرانيا. ويتوقع أن تقدم باقي الدول الأعضاء في مجموعة الدول السبع على فرض عقوبات غير مسبوقة على موسكو، لإجبارها على وقف عملياتها العسكرية والانسحاب من الأراضي الأوكرانية.
تعاني روسيا أيضاً أوضاعاً اقتصادية صعبة، وستؤدي هذه العقوبات حتماً الى تضييق الخناق الاقتصادي عليها كثيراً، ما سيدفعها للجوء أكثر للصين لدعمها اقتصادياً ومالياً. الحاجة المتزايدة لروسيا للدعم الصيني ستجعل بكين الطرف الأقوى في أي تحالف استراتيجي بين الطرفين. تقدم مكانة الصين في هذه المعادلة سيجعل ما لروسيا للصين، حتى في مناطق نفوذ الأولى. وستكون الصين الملاذ الأساسي لرجال الأعمال الروس الأثرياء ممن فرضت عقوبات عليهم من الغرب.
أهم مكسب لبكين من الأزمة الأوكرانية هو عودة القارة الأوروبية لتكون ساحة الصراع الأساسية، بعدما كانت واشنطن تسعى منذ سنوات، ضمن ما يعرف بسياسة “التحول الى آسيا”، لتركيز جهودها مع حلفائها على خطر الصعود الصيني. فأوروبا لم تشهد خطر نزاع عسكري كالذي تشهده اليوم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكان الغرب قد اعتبر أنه انتصر في الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وباتت القارة الأوروبية مؤمنة وخالية من النزاعات العسكرية، وتحديداً بعد انتهاء أزمة يوغوسلافيا. التحرك الروسي العسكري الكبير غيّر حسابات كل الدول الغربية التي تشهد حالة استنفار عسكري كبير، وتحشد قواتها على حدود روسيا وأوكرانيا تحسباً للأسوأ. ولم تعد التحركات العسكرية الصينية في جنوب وجنوب – شرقي آسيا تتصدر عناوين الأخبار والتصريحات الأميركية كما كان الوضع قبل بضعة أسابيع. هذا حتماً يريح بكين ويمنحها متنفساً مهماً لتعزز وضعها على الساحة الدولية.
تجدر الإشارة الى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد زار بكين في مطلع الشهر الجاري، حيث التقى نظيره الصيني وسمع منه تأييداً وتلقى دعماً لسياساته. فقد أعلنا رفضهما سياسات أميركا والناتو، كما اتفقا على أن تشتري الصين كميات كبيرة من الغاز الروسي للتعويض عن أي خسائر قد تتعرض لها موسكو نتيجة توقف الدول الأوروبية عن استيراد الغاز الروسي كجزء من العقوبات عليها بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا. وكان هذا اللقاء الأول الشخصي للزعيم الصيني مع أي رئيس دولة منذ عامين.
تراقب الصين بلا شك وعن كثب تطور الصراع على الساحة الأوروبية، ومدى صلابة الموقف الأميركي أو تراخيه. فما تقوم به روسيا اليوم قد يشكل سيناريو ناجحاً لبكين لاعتماده في خطواتها المستقبلية للسيطرة على جزيرة تايوان التي تعتبرها جزءاً منها.
فكما أن روسيا تعتبر أوكرانيا جزءاً من أراضيها، الصين أيضاً تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها. وكلما طالت الأزمة في أوروبا، كسبت بكين المزيد من الوقت لتعمل بعيدة من الأضواء لتنفذ سياساتها في آسيا والمحيط الهندي. ودخول روسيا في حرب داخل أوكرانيا سيضع الناتو في حالة استنفار تام لحماية الدول الأعضاء في شرق القارة، ما سيستنزف قدرات القوى الغربية، بالإضافة إلى روسيا.
السيناريو الكارثي بالنسبة إلى واشنطن هو أن تقدم الصين، في الوقت الذي يكون فيه الغرب منشغلاً بالموضوع في أوروبا بغزو مفاجئ لتايوان. فهذا سيضعها في مواجهة جبهتين عسكريتين ولن يمكنها من إنقاذ أي من حليفيها: أوكرانيا وتايوان. كما أن استمرار العقوبات واشتدادها على روسيا سيدفع الأخيرة لأن ترتمي أكثر بحضن الصين، وقد يشجع دولاً أخرى مثل إيران على الانضمام إليهما. وكانت هذه الدول الثلاث قد نفذت مناورات بحرية أخيراً في منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي. تصاعد الصراع بين الشرق والغرب وأخذه منحى عسكرياً سيزيد من حجم الضغوط على دول الشرق الأوسط، وتحديداً تلك التي تقع بين القارتين الأوروبية والآسيوية، أي بلاد الشام والخليج العربي.
تملك أميركا والقوى الغربية وجوداً عسكرياً كبيراً في الخليج العربي. كما لأميركا حضور عسكري في العراق وسوريا، في حين أن روسيا تملك قاعدتين جوية وبحرية في سوريا، بالإضافة الى وحدات برية تتشارك أماكن السيطرة مع ميليشيات الحرس الثوري الإيراني. وتملك الصين قاعدة بحرية في جيبوتي قرب قواعد عسكرية هناك لأميركا وبعض القوى الأوروبية.
إذاً عسكرة المنطقة بين هذه القوى العظمى المتناحرة بدأت منذ فترة، ووجودها بات يشكل خطورة اليوم على الدول المضيفة التي لا يمكنها أن تفعل أي شيء لمنع مواجهة محتملة بين الكبار على أراضيها أو في الجوار. كما أن الضغوط السياسية ستزداد من هذه القوى على دول المنطقة لأن تختار طرفاً في هذا الصراع إذا ما ازدادت حدته مع الوقت. وسيختلط صراع القوى الكبرى مع النزاعات الإقليمية، وقد يشمل التوتر القائم بين إيران ومعظم دول المنطقة، وربما تجد فيها إسرائيل فرصة لتنفيذ تهديداتها ضد برنامج إيران النووي، أو تقرر أن تحالف إيران مع الصين وروسيا قد يجعل مخاطر خطوة كهذه كبيرة جداً وبعيدة المنال.
وبناءً على ما تقدم، فإن للأزمة الأوكرانية أبعاداً وتداعيات كبيرة على الأمن الدولي والإقليمي. كما أن عواقبها الاقتصادية ستكون وخيمة جداً وترفع أسعار النفط والغاز رفعاً جنونياً. هذا على أمل أن تبقى حسابات القوى العظمى دقيقة، وأن تتجنب أي مواجهات عسكرية مباشرة في ما بينها، ما قد يؤدي إلى حرب كارثية. فهذه تبقى قوى نووية بامتياز. ومن الحكمة أن تعمد دول المنطقة لاحتساب خطواتها بدقة تجنباً لأي أخطاء لا تُحمد عقباها.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …