افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لا شك أن التصعيد الدراماتيكي الذي يشهده الوضع في أوكرانيا خلال هذه الساعات بفعل التحرك العسكري الروسي، يمثل لحظة حرجة لأوروبا والعالم أجمع، قد تفتح الباب أمام تداعيات سلبية على مستقبل السلام والأمن الدوليين، إذا لم تسارع الأطراف جميعها إلى تدارك الموقف، وخلق فرصة لحل الأزمة بالحوار والبحث عن أسس جديدة تحفظ المصالح المتبادلة.
الأزمة الحالية ليست مشكلة إقليمية تخص بلدين هما روسيا وأوكرانيا، بل هي أوسع من ذلك بكثير وتخص علاقة مضطربة منزوعة الثقة بين موسكو من جهة، وواشنطن وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، فهذه العلاقة لم تكن يوماً على ما يرام منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى اليوم. وعلى مدى ثلاثين عاماً ظلت المشكلات تتراكم والاحتقان يتعاظم حتى وقعت هذه الأزمة الفادحة في أوكرانيا. ومقارنة بسابقاتها فهي الأعنف على الإطلاق، وتداعياتها أكبر من التوقعات المعلنة على مختلف المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، لأنها لا تتصل بحرب خاطفة، وإنما بإعادة هيكلة النظام الدولي، وفي أوروبا على وجه التحديد. ويبدو أن روسيا التي طالبت بضمانات أمنية من الغرب لم تتلق الجواب الذي تأمله، حتى وقع المحظور، وهو ما عبّر عنه المسؤولون الروس مرات عدة، وحذر منه سيد الكرملين فلاديمير بوتين في أكثر من مناسبة خلال الأيام الماضية.
رغم قسوة الظرف والهواجس السوداء، التي تخيم على أوروبا، مازال هناك مجال للدبلوماسية كي تلعب دوراً بناءً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولا يتم ذلك إلا بالعمل على خفض التصعيد، وتجنب كل ما يوتر العلاقات. فما عاشته أوروبا في الساعات الماضية أعاد إلى الأذهان خطابات تعود إلى أرشيف الحرب العالمية الثانية وما قبلها، ولكن الوقائع بين عصر وعصر لا تتشابه أبداً والنتائج أيضاً.
فالغرب بفرضه عقوبات قاسية على روسيا وبحثه عن أخرى، وعقده الاجتماع الطارئ تلو الاجتماع، قد لا يحل المشكلة، وإنما يزيد في تعقيدها، لأن الطرف المقابل، في موسكو، ليس هيناً وسيرد الفعل، بل إن بوتين أطلق تحذيراً غير مألوف عندما قال مع بدء العملية العسكرية «أي طرف سيحاول إيقاف، أو تهديد روسيا أو شعبها، يجب أن يعلم أن ردنا سيكون فورياً، وسيؤدي إلى عواقب غير مسبوقة لم تشهدوها في تاريخكم، نحن مستعدون لأي رد فعل».
لغة التصعيد المتبادل بين موسكو وخصومها الغربيين يجب أن تتوقف، والأزمة الأوكرانية يجب حلها أيضاً بالطرق السلمية وتفادي أي خسائر أو دمار واحترام حقوق كل الأمم والشعوب في العيش بأمن وسلام. وإذا كان هذا العالم متحضراً بالفعل، كما يدعي، عليه أن يسارع بالسيطرة على هذه الأزمة وإخماد نيرانها بروح القانون الدولي وأخلاقيات المبادئ الانسانية، ودماء التضحيات المشتركة التي سفكتها الحروب الماضية. أما التصميم على تجاهل الأخطار والإمعان في صم الآذان عن سماع أصوات السلام، فسيقود البشرية إلى محرقة جماعية، لن تكون فخراً لأحد، ولن تجلب غير العار على هذه الحقبة من التاريخ الإنساني.