بقلم: علي فخرو – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لو تمعنّا في دلالات تصرفات مؤسسات الحكم الأمريكية المتعاقبة النفسية والسلوكية والعقلية، عبر العالم كله، لفوجئنا بتماثلها وتطابقها مع كثير من أعراض العلل العقلية والنفسية التي يصاب بها بعض الأفراد. أعراض تصرفات يلحظها المراقب في ذاك التصرف التاريخي أو هذا القرار الحالي.
وبالطبع نحن نتكلم هنا عن تصرفات نظام الحكم ومؤسساته تجاه الآخرين، وليس عن الشعب الأمريكي المشهور بطيبته وبساطة معشره والكثير من طباعه الحميدة.
دعنا نصف أمثلة قليلة من تصرفات أنظمة الحكم الأمريكية في الماضي والحاضر، للبرهان على ارتباط التشخيص هذا بوقائع حدثت وعانى الملايين آثارها الموجعة والمدمرة.
فمثلاً، من أجل إرغام اليابان على الاستسلام في نهاية الحرب العالمية الثانية، كما استسلمت ألمانيا النازية، استعملت أمريكا سلاحاً جديداً فتاكاً، فألقت قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما. في ذلك اليوم الأسود قتل مئة ألف من السكان، وجرح وشوه مئات الآلاف، وحل دمار عمراني هائل، ورأى العالم مجزرة بشعة خلال بضع ساعات.
وبدلاً من أن تنتظر حكومة أمريكا مدة معقولة كافية لترى إن كانت حكومة اليابان ستستسلم وتتجنب أمريكا إحداث المزيد من قتل بشع غير مبرر، أتبعت القنبلة الأولى خلال ثلاثة أيام فقط بقنبلة ثانية ألقتها على سكان مدينة نجازاكي.
مهما كانت المبررات العسكرية فقد أظهر ذلك التصرف أعراضاً سيكوباثية لنظام الحكم الأمريكي، إذ غاب الضمير الذي يتعلم من درس مرعب، ويشعر بالذنب تجاه ضحايا لا ذنب لهم، ويرفض أن يرد الصاع صاعين. غاب أي نوع من القلق الذي يتميز به الضمير المتزن.
مثال ثان، ولأن السيكوباث لا يتعلم من أخطائه، بل ولا يعترف بها أصلاً، فعل نظام الحكم الأمريكي خطأ مماثلاً في فييتنام عندما استعمل قنابل النابالم ومادة الأورانج السامة ليسمم وليحرق الغابات والمزارع ويقتل ويسمم الألوف من سكان غابات فييتنام.
مثال ثالث، كرر الأمر نفسه في العراق عندما استعمل القنابل المخصبة بمادة اليورانيوم المشعة، ضد المدنيين العراقيين فقتل من قتل ونشر في العديد من الأنحاء العراقية أنواع أمراض السرطان في أجسام أطفال العراق الذين يعانون حتى يومنا هذا.
مثال رابع، ومن قبل قيام الدولة الأمريكية برر الرجل الأبيض إبادة السكان الأصليين الهنود الحمر بأنها تصرف مبارك من الرب، لأن إبادتهم ستقلل عدد الكفار وتقوي شوكة المؤمنين. فكان أن قادت وساوس وهلوسات الفصام وكل أعراض البارانويا الخيالية الدينية آنذاك إلى تحليل نشر شتى أنواع الأمراض الوبائية بين الهنود الأصليين وهم في أضعف حالاتهم الجسدية، عندما كانوا يساقون مشياً على الأقدام لمسافات طويلة.
سيتعب الباحث لو أراد تغطية مئات الصراعات والحروب والاغتيالات، بما رافقها من أكاذيب إعلامية وتبريرات غير أخلاقية، التي خاضتها أمريكا عبر تاريخها الطويل تحت تأثير مجموعة من الأفكار والانطباعات والعواطف والسلوكيات والعلاقات مع الآخرين الخاطئة والعدوانية، ورافقتها أحياناً حالات من التصرفات الهستيرية والهلوسات المتخيلة التي لا ارتباط لها بالواقع.
في يومنا هذا أنظر كيف تتعامل أمريكا مع تعقيدات الوضع في أوكرانيا، أو كيف تتعامل في منافساتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، أو كيف تتصرف بعقلين ووجهين مع ظاهرة الإرهاب بكل أشكالها.
إننا نضع نماذج من تصرفات أنظمة الحكم الأمريكية المتعاقبة، الدالة على عدم التوازن ، نضعها أمام عدد من مسؤولي أنظمة الحكم في العالم الذين يضعون ثقتهم التامة الساذجة في أمريكا كجهة محايدة عاقلة قادرة على حل كل مشكلة يواجهونها.
ذلك أن أمريكا أصبحت ظاهرة محيرة، فهي بلد كبير وغني وغير مهدد أو محاصر، وفيه أفضل العقول المبدعة والبشر الإنسانيين الشرفاء، ولكنه يسمح لنظام حكمه، جيلاً بعد جيل، أن يتصرف بتلك الأساليب والعقليات والأمراض التي ذكرنا.
إنها حقاً أحجية العصر المليئة بالتناقضات والأسرار.