الشرق اليوم- في كتابه “عن الحرب” يتحدث القائد الاستراتيجي البروسي كارل فون كلاوزفيتز عن العلاقة بين السياسة والحرب، ويحدد أهدافاً للحرب، بفرض الشروط على العدو، واستخدام الحد الأقصى من وسائل القوة المتيسرة.
ويرى أن الحرب تابعة للسياسة وأداة لها “وإذا كانت الحرب وسيلة، فالسياسة تبقى هي الغاية من الحرب، ومن توظيف الحرب كآلية دبلوماسية إكراهية للعدو”.
ما يجري الآن على الجبهة الأوكرانية بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلف “الناتو” من جهة أخرى، هي حرب سياسية ضارية تستخدم فيها كل وسائل الضغط المتاحة لدى الجانبين للتوصل إلى تسوية من دون اللجوء إلى الحرب.
فالحشود العسكرية المتبادلة، والمناورات البرية والبحرية الواسعة، وتصاعد وتيرة الحرب الإعلامية بترديد الحديث عن غزو عسكري محتمل، وكذلك إقدام روسيا على الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك جنوب شرقي أوكرانيا، وإرسال “قوات حفظ سلام” روسية إليهما، وأيضاً قرار الدول الغربية فرض المزيد من العقوبات القاسية على روسيا، كل ذلك هو جزء من “عدة الشغل” في الحرب السياسية القائمة بين الطرفين.
فالطريق الدبلوماسي لا يزال مفتوحاً للتوصل إلى حل، والاتصالات لم تنقطع، والجميع متفق على عدم الدخول في حرب، والشروط المتبادلة مطروحة على طاولة المفاوضات، على الرغم من كل الصخب العسكري والحشود المتقابلة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعد القرارات التي اتخذها، أمس الأول، بشأن إقليمي دونيتسك ولوغانسك، أكد أمس، أن روسيا “لا تزال منفتحة على الحوار المباشر والصريح لإيجاد حلول دبلوماسية لأكثر المشاكل تعقيداً”، ثم أكد من جهة أخرى، “أن مصالح مواطنينا وأمنهم غير قابلة للتفاوض بالنسبة لنا”.
يذكر أن روسيا تطالب الدول الغربية بأمن متبادل في القارة الأوروبية، من خلال عدم توسع حلف “الناتو” شرقاً، وعدم انضمام أوكرانيا إلى الحلف، ووقف تعزيز وجود الحلف حول الحدود الروسية، مع تعهد روسيا بعدم تهديد أية دولة أوروبية في إطار اتفاق أمني ملزم ومتفق عليه، ومضمون بشأن الأمن في القارة الأوروبية.
وهناك قضايا خلافية ثنائية بين روسيا والولايات المتحدة بشأن معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، ومعاهدة القوى النووية المتوسطة، ينبغي معالجتها والعودة إليها من الطرفين.
إذا كانت مجمل هذه القضايا تبدو صعبة، لأنها تتعلق بجوهر الصراع على النظام الدولي الذي تتربع عليه الولايات المتحدة منفردة، منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أن واقع الحال يفرض على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن تكون الأزمات الدولية الكبرى حافزاً لاتخاذ قرارات سياسية صعبة تأخذ في الاعتبار مصالح الجميع، تفادياً لما هو أسوأ.
ويبقى الحل الدبلوماسي هو الهدف من كل هذا الذي نسمعه من ضجيج ودخان يغطي ميادين المواجهة.