بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – هيمنت الأزمة الناشبة بين روسيا والغرب حول أوكرانيا خلال مؤتمر الأمن الذي انعقد قبل أيام في ميونيخ على كل ما عداها من التحديات العالمية مثل الإرهاب والأمن السيبراني وجائحة كورونا والتغيير المناخي وغيرها من القضايا التي تشغل المجتمع الدولي، إلى الحد الذي احتلت معه هواجس الأمن والاستقرار العالمي أولوية مطلقة على جدول أعمال المؤتمر.
من الطبيعي أن يتحول مؤتمر من هذا النوع، إلى منصة استثنائية لطرح المواقف والاصطفافات في ظل مؤشرات تهدد بتغيير قواعد النظام الدولي والأمن الأوروبي والغربي. غير أن المؤتمر الذي عقد بغياب روسيا، هذه المرة، جعل منه صدى لتحالف من لون واحد ربما يكون تعبيراً عن الحاجة إلى اصطفاف العالم الغربي، والتحدث بصوت واحد في مواجهة استهداف ركائزهم الأمنية التقليدية والقواعد الجديدة التي نشأت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي. وربما يكون الغياب الروسي أيضاً تعبيراً عن حالة الافتراق بدلاً من التعاون الذي نشأ عقب تلك الحقبة، وظهور حقبة جديدة لعل أبرز سماتها عودة الحرب الباردة والاستقطاب والاستقطاب المضاد في الساحة الدولية.
ومع أن المؤتمر لا يتخذ قرارات ولا يمتلك آليات تنفيذية، وإنما يصدر تقريراً، في نهاية المطاف، يتضمن توصيات بشأن حالة الأمن العالمي والتحديات الأخرى التي تواجهها البشرية، إلا أنه يمكن تلمس موقفين أو مفهومين متناقضين للأمن، في هذا الصدد؛ حيث يصطف العالم الغربي (الولايات المتحدة وأوروبا وحلف الناتو) وراء مفهوم حق الدول في الاستقلال والسيادة وحماية أمنها بالطريقة التي تراها مناسبة ومنها الانضمام إلى حلف «الناتو» الذي تقدم لملء الفراغ في أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك «حلف وارسو». وفي هذا الإطار تم انضمام الكثير من دول أوروبا الشرقية، لكن مسألة انضمام أوكرانيا كانت الحلقة الأكثر تعقيداً، بسبب المعارضة الروسية الشديدة، واعتبار أوكرانيا «خطا أحمر». إذ إنها بالنسبة لموسكو تمثل حالة خاصة، لأسباب تاريخية وثقافية، ولأن انضمامها لـ «الناتو» يعني أن الحلف بات يقف على حدود روسيا الجنوبية.
ومن سوء حظ أوكرانيا أن مطالبتها بالانضمام لـ «الناتو» جاءت في لحظة وصلت فيها روسيا إلى قمة إعادة بنائها العسكري والتكنولوجي إلى حد أن الكثير من التقارير باتت ترجح تفوقها الاستراتيجي على الغرب، وبالتالي فقد عادت موسكو لتطرح ليس فقط منع انضمام أوكرانيا إلى «الناتو» وإنما إعادة تقاسم النفوذ وصياغة الأمن الأوروبي على أسس جديدة، وليس فقط عدم توسع «الناتو» شرقاً وإنما انسحاب الحلف من أوروبا الشرقية باعتبارها منطقة نفوذ روسية.
هذا المفهوم عبّرت عنه ورقة الضمانات الأمنية الروسية، التي قدمت للغرب، والتي ترفضها الولايات المتحدة ودول حلف «الناتو». وبالتالي، يبدو أن الصراع الروسي الغربي بات مرشحاً للاستمرار لفترة طويلة، وليس الاعتراف الروسي بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، سوى بداية تستهدف إلى تفكيك منظومة الأمن الأوروبية، استناداَ إلى معادلة القوة، وسواء نجحت موسكو أو أخفقت، فإن ما بات مؤكداً أن نظاماً عالمياً جديداً في طريقه إلى التبلور.