الرئيسية / مقالات رأي / حدود استعمال السلاح النووي في عالم اليوم

حدود استعمال السلاح النووي في عالم اليوم

بقلم: وليد فارس – إندبندنت عربية

الشرق اليوم – وإذ تُقرع طبول الحرب في أوروبا الشرقية، وتقوم روسيا بمناورات عسكرية تحرّك فيها أسلحتها الاستراتيجية النووية، وتردّ عليها الولايات المتحدة بتحريك ما هو متناسب مع الرد بالمثل -ولو نظرياً-، وإذ ترسل الصين قاذفاتها ومقاتلاتها فوق مضيق تايوان، وتقترب الطائرات والغواصات المتطورة الأميركية والروسية من بعضها البعض من ألاسكا إلى القطب الشمالي، إلى البحر الأحمر. أضف إلى ذلك الاستهداف المتواصل الإيراني بالصواريخ الباليستية لليمن، والسعودية والإمارات، من دون أن ننسى أن طهران تسعى إلى امتلاك السلاح النووي.

كل ذلك، إضافة إلى دقة الوضع بين الهند وباكستان، الدولتان النوويتان المتواجهتان في جنوب آسيا، والقلق حول نتائج صدام نووي بين إيران وإسرائيل نووياً، إذا وصلت المواجهة إلى مستوى كهذا.

أمام هذه المعادلات الخطيرة عالمياً، يقفز سؤال مخيف إلى الواجهة. هل الحروب النووية ممكنة في زمننا هذا؟ هل هناك طرف مستعد لاستعمالها، وتحت أية شروط؟ هل يستمر العالم كما هو بعد انفجارات ذرّية أو هيدروجينية؟ الأجوبة متعددة، معقدة، نظرية، لأن أحداً لم يستعمل سلاحاً نووياً على الأرض منذ صيف 1945 في ناغازاكي وهيروشيما.

تطور العالم النووي

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، العالم تغيّر، والأسلحة الفتاكة تطورت، والتحالفات تبدّلت، وحصلت حروب كثيرة، إلا أن سلاحاً كهذا لم يُستعمل مرة. هناك كتب ومجلدات كثيرة حول تاريخ السلاح النووي، ومواد جامعية وخطابات لا تحصى على مدى العقود.

فخلال الحرب الباردة الطويلة، طوّرت الدول الكبرى هذا السلاح وخلقت نادياً ذرّياً ضيقاً لاقتنائه. بعد أميركا، فجّر الاتحاد السوفياتي قنبلته، مغيّراً التوازن الدولي إلى الأبد. فبعد أن كانت الولايات المتحدة سيدة الكرة الأرضية بسبب احتكارها القنبلة لبضعة أعوام، شاركها السوفيات بهذا “المجد المخيف”.

ولحقت بهم بريطانيا وفرنسا والصين الشعبية بظرف سنوات قليلة. وأهم ما أنتجته هذه “الإنجازات”، كان تكريس الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن، كنادٍ مغلق، “مسؤول عن الأمن الكوني”، يمتلك سلاحين: القنبلة النووية وحق “الفيتو”.

وخلال ثلاثة عقود، طوّرت القوى العظمى أسلحتها بشكل هائل، فانتقلت من القنابل النووية الصغرى، إلى الكبرى، فالهيدروجينية، فالهيدروجينية الضخمة.

هذه القنابل أصبح بإمكانها أن تدمر كل الحياة على الكوكب مرات عدة، لو استُعملت. فباتت بين يدي البشر قوة تدميرية قريبة من قوة الطبيعة أو النيازك التي تضرب الأرض أحياناً.

هذا الواقع بات مخيفاً بما فيه الكفاية لدى الشعوب. إلا أن خطراً آخر صعد إلى الواجهة، ألا وهو تفشي امتلاك هذه الأسلحة، لا سيما بين يدَي دول داخلة في حروب. فمن دون أن تعلنه، امتلكت اسرائيل قنابل ذرّية عدة في نهاية الستينيات. ويقال إن جنوب أفريقيا أيضاً طوّرت سلاحاً شبيهاً في الفترة ذاتها.

أما الوثبة الكبرى، فأتت مع التجارب النووية المفاجئة للهند وباكستان في 1999. وبدأ القلق الدولي يزداد مع سعي نظامين “مارقين”، كوريا الشمالية وإيران، إلى تصنيع بما يُعرف “بسلاح نهاية الإنسانية” Dooms Day Device. ومع انتشار خطير لهذه الأسلحة وتسريب تلك المواد عبر الحدود، زاد خوف العالم من أن يتم استعمال القنبلة في أكثر من مكان. إلا أن هناك عاملاً يحدّ من استهداف البلدان بعضها البعض.

نظرية MAD

في كل الجامعات التي تدرّس مادة العلاقات الدولية والقضايا الأمنية الاستراتيجية، تتردد عبارة واحدة تعتبر معادلة “امتناع استعمال القنبلة النووية” أساساً للواقع النووي العالمي. وهذه المعادلة Mutual Assured Destruction أي “التدمير المتبادل المؤكد” تتلخص في أن الدول التي تملك أسلحة نووية وتستعملها ضد بعضها البعض، تعرف تماماً أن “الاشتباك النووي” بين هذه الدول يؤدي إلى دمارها جميعاً، وهو دمار مؤكد.

لذلك، فاقتناء هذه التكنولوجيا الجبارة والخطيرة توجب عدم استعمالها، وهي معادلة غريبة متناقضة، إذ كيف يمكن التوفيق بين اقتناء سلاح يُمنع استعماله؟ الرد على ذلك هو أن القانون الدولي القائم لا يمنع اقتناء من حصل عليه، كالدول الكبرى ودول أخرى، ولكن يحاول قدر المستطاع أن يقنع من حصل عليه أن لا يستعمله إطلاقاً، أو أن لا يكون البادئ باللجوء إليه. بالطبع لا تحتاج “الحكومات النووية” إلى من يقنعها بأن أي حرب بأسلحة الدمار الشامل لن تأتي بدمار شامل. ولكن القوى الدولية التي حصلت على “السلاح النهائي” لديها أجندات مختلفة لحيازتها على هذا الأخير.

ولكن إضافة إلى معادلة MAD غير المكتوبة، وُقّعت معاهدات عدة ومعقدة بين موسكو وواشنطن حول خفض الرؤوس النووية والصواريخ الباليستية START، كما وُقّعت اتفاقات دولية حول الحد من انتشار هذه الأنظمة الخطيرة.

الأجندات المختلفة

الولايات المتحدة تنظر إلى هذا السلاح كرادع أمني قومي و”كحامٍ للنظام الدولي”، وكذلك بريطانيا. ووضعت الدولتان سلاحهما الاستراتيجي بخدمة قيادة الحلف الأطلسي. فرنسا تشارك في النظرة ولكن تضع الأولوية لأمنها القومي بشكل خاص، أي أنها لم تضع قواتها النووية بتصرف “ناتو”. الاتحاد السوفياتي والصين اعتبرا قوتهما النووية كحارسة عليا للثورة البروليتارية. ولكن عملياً تلك القدرات هي لخدمة موقعهما كدول كبرى، أي كرادع للقوى الغربية المنافسة.

وتأتي الهند وباكستان لتعتبرا قواتهما النووية كرادع متبادل. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فهي لا تصرّح عن امتلاكها الترسانة النووية، ولكنه بات معروفاً أنها قد تلجأ إليها إذا ما تعرّضت “لإبادة” كما يُفهم من مسؤوليها، وفي هذه المرحلة بعد معاهدات السلام، إذا ما تعرّضت لهجوم نووي مفترض من قبل إيران. هكذا، فالأجندات مختلفة بحسب الدول.

الدول المارقة

على الرغم من انتشار محدود للأسلحة النووية، من الدول الخمس الكبرى إلى الثلاثي الهند وباكستان وإسرائيل، تبقى هناك مخاوف من أن تقع أسلحة الدمار الشامل بين يدي أنظمة غير موثوق بها، بسبب تصرفات قياداتها وتصريحاتهم العلنية. الدولة الأولى هي كوريا الشمالية التي طوّرت شبه سلاح نووي، ويعتقد البعض أنها جرّبته تحت الأرض.

وما يقلق الغرب ودول المحيط الهادي هو تجارب بيونغ يانغ الصاروخية فوق المياه الدولية باتجاه كوريا الجنوبية واليابان وجزيرة غوام الأميركية.

أضف إلى ذلك تصريحات الرئيس كيم “غير المتوازنة” حول استعمال هذه الأسلحة ضد الخصوم. الدولة الثانية المقلقة نووياً هي النظام الإيراني الذي يعمل جاهداً، وبوضح النهار، لإنتاج قنبلة ذرّية. وأعلنت القيادات الإيرانية على مدى السنين عزمها على تدمير خصومها عبر عبارات “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل”. وهذه شعارات لا لبس فيها حيال ما تنويه عملياً. إلا أن الإثبات الأوضح عن نوايا إيران التدميرية كانت ولا تزال ضرب أهداف مدنية بعيدة في المملكة العربية السعودية والإمارات، بالصواريخ الباليستية ذاتها التي تستعمل برؤوس نووية. ولو كانت هذه الصواريخ محملة برؤوس كهذه، لكانت حصلت كارثة إنسانية في الشرق الأوسط، وربما العالم.

لذلك قررت بعض الدول الغربية أن “تشتري” تخلّي طهران عن صناعة القنبلة عبر ما يُسمّى بـ”الاتفاق النووي الإيراني” أو الـ JCPOA.

إلا أن دول المنطقة وعلى رأسها التحالف العربي وإسرائيل ليست لها ثقة بالنوايا الإيرانية، إذ إن هذه الدول قلقة من أن طهران ستحصل على المال وقد تفاجئ العالم بسلاح من هذا النوع وتفرضه كأمر واقع. كما يبقى هناك قلق من محاولات مستقبلية للقوى التكفيرية المسيطرة في أفغانستان أن تلجأ إلى وسائل للحصول على قنابل تكتيكية نووية.

الحدود

الدول المالكة للسلاح النووي تطورت مع الوقت وباتت شعوبها متعلقة بالحياة والأمن وتحقيق الازدهار، بخاصة على الصعيد الفردي.

والإعلام بات واسع الانتشار ويتأثر الناس بما يرونه من شاردة وواردة، ولا يتحملون رؤية العنف وتداعياته. بالتالي، فإن فكرة انفجار نووي، بغض النظر عن مفاعيلها، سيكون لها وقع عالمي غير معروف النتائج، اقتصادياً ونفسياً وسياسياً.

لذلك، فالحدّ الأول لهذا السلاح هو عدم تقبل الناس له، وضغطهم على الحكومات ضده. والحد الثاني هو ما قد يحصل إذا ما استُعمل هذا السلاح، وهل يستمر المجتمع الدولي كما هو.

فالدول الكبرى، بما فيها الصين، لها مصالح مالية هائلة في العالم المستقر، وقد تضمحل على أثر حرب نووية ولو محدودة. لذا، فالحدود الأقوى هي حسابات الربح والخسارة من جراء أي استعمال.

ولكن تبقى كوريا الشمالية وإيران ونظام راديكالي في أفغانستان، الحالات الثلاث الأشد خطراً إذا حصلت على هذا السلاح الفتاك.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …