بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم
الشرق اليوم – اليمين المتطرف يطل برأسه في كندا! فهو وراء حركة سائقى النقل التي شلت الحياة في بلد اعتاد الهدوء النسبي بالمقارنة بجارته الجنوبية. فقد أوقفت المئات من عربات النقل الثقيل الحركة على الحدود بين مدينتي ديترويت الأمريكية وأونتاريو الكندية، وأدت لشلل العاصمة أوتاوا، حيث توقفت فيها الحياة الطبيعية على مدى أسبوعين. والحركة بدأت احتجاجًا على إجراءات مواجهة كورونا ثم امتدت لغيرها.
فالحكومتان الكندية والأمريكية فرضتا التطعيم الإجباري على السائقين الذين يعبرون الحدود. والمحتجون يمثلون عددًا قليلًا من سائقي النقل الثقيل الذين حصل 90% منهم على التطعيم أصلًا، وفي بلد وصلت فيه نسبة من تم تطعيمهم حوالي 80%. وتعمدت المسيرات إحداث ضجيج مقصود ليلًا ونهارًا، وأصر من خرجوا فيها على انتهاك الحظر المفروض على شرب الخمور في الشوارع. وانطوت التظاهرات على عنف لفظي هائل كالدعوة لإعدام كل من يشارك في حملات تطعيم الأطفال.
كما راح المتظاهرون يتحرشون بالمارة مُصرين على خلعهم الكمامات، ولم تجد بالمناسبة من تستأسد عليه سوى المشردين الذين يفترشون الشوارع في البرد القارس. لكن المسألة ليست مجرد احتجاج على إجراءات كورونا، إذ حملت ملامح أخرى لا تُخطئها العين. فقد ارتدى المحتجون ملابس تحمل رموز النازية وحملوا لافتات ذات دلالات عنصرية. وعلى غرار مسيرات حركة تفوق البيض بالولايات المتحدة، ظهرت في مسيرات كندا أعلام الكونفيدرالية الأمريكية التي ارتبطت تاريخيًا بالعبودية. وفي حصار مدينة أوتاوا، برزت رموز كندية معروفة بزعمها «تفريغ كندا من البيض».
وتلك الحركة التي أطلقت على نفسها اسم «قافلة الحرية» ترى في القيود المفروضة لمواجهة كورونا اعتداء على الحقوق والحريات. لكن المسكوت عنه في خطابها هو حقوق العمال والأقليات من غير البيض. فهي لا تتبنى أيًا من مطالب سائقي النقل الثقيل ربما لأن المهاجرين من غير البيض يمثلون ثلثهم على الأقل. وخطاب رموز القافلة ينضح بالعنصرية والإسلاموفوبيا.
وهي تتبنى عددًا من نظريات المؤامرة المعروفة لدى تيار تفوق البيض، وعلى رأسها أن بيل جيتس والنظام الاقتصادي العالمي وراء ما يسمونه «أكذوبة وباء كورونا» باعتبار أن هناك من يهدف، عبر التطعيم، لزرع شرائح كمبيوتر في أجسام البشر لمراقبتهم عن بعد. ومن بين نظريات المؤامرة التي يؤمنون بها أيضًا واحدة تزعم أن فيدل كاسترو هو الأب الحقيقي لرئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو!
كل ذلك لا يجعل القضية مسألة داخلية تخص الكنديين وحدهم. فالسلطات الكندية أعربت عن قلقها من أن أكثر من نصف التمويل الذي يصل للحركة مجهول المصدر، وإن كان يأتي من الولايات المتحدة لا من كندا. ورموز تيار تفوق البيض بالولايات المتحدة أعلنت فورًا تأييدها لـ«القافلة» بل إن الرئيس السابق ترامب أيدها علنًا دون أن يفوته أن يصف رئيس الوزراء الكندي بـ«المجنون اليساري». كما برز واحد من مستشاري ترامب السابقين فى صدارة المتحدثين باسم «القافلة».
والمغزى الأهم لما يجري في كندا هو أن للقافلة أصداءها العالمية التي برزت في صورة حركات راحت تقلدها من الولايات المتحدة وفرنسا إلى أستراليا ونيوزيلندا. وهو ما يطرح سؤالًا بات على جانب كبير من الأهمية، في تقديري وهو: هل لايزال من الممكن تقديم أي تحليل موضوعي للعلاقات الدولية دون النظر لتنامي اليمين المتطرف في الغرب؟ والأهم، هل بات من الممكن دراسة العلاقات الدولية دون أخذ قضايا الهوية بعين الاعتبار؟