الشرق اليوم- مصطلح الحرب الهجينة هو فكرة قديمة تكتسب أبعادا جديدة في عالم معولم، لافتة إلى الظهور الغامض لـ”رجال خضر صغار” بدون إشارة عسكرية في القرم عام 2014، والذي على أثره اغتصب الروس شبه الجزيرة في شرق أوكرانيا دون إطلاق رصاصة، وكذلك استيلاء مجموعة متنوعة من البلطجية المسلحين والقوات الروسية على جيوب في منطقة دونباس بادعاء أنها تسعى إلى الاستقلال.
هذان الحدثان والعديد من الأعمال الغامضة المنسوبة إلى روسيا منذ ذلك الحين -من الهجمات الإلكترونية إلى الاغتيالات في الخارج والتدخل في الانتخابات في الغرب، والآن التهديد بغزو أوكرانيا- تصنف على أنها أشكال من “الحرب الهجينة”.
أما ما يعنيه هذا المصطلح وكيف تطور؟
إن الخدعة والمفاجأة قديمتان قدم الحرب نفسها، وبالإشارة إلى مقال بعنوان “فن الحرب” الذي يعتقد أنه يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد وينسب إلى سون تزو -وهو جنرال صيني وخبير عسكري وفيلسوف ذاع صيته بسبب عبقريته العسكرية التي اشتهر بها- ويقول فيه إن “إخضاع العدو دون قتال هو ذروة المهارة”.
أما المفهوم الحديث للحرب الهجينة فقد شاع بواسطة فرانك هوفمان -وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأميركية (المارينز) وباحث في الدفاع- في دراسة عام 2007 تحلل الصراعات الفوضوية في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى، حيث تغيرت التكتيكات وكان الخط الفاصل بين المدنيين والمقاتلين مشوشا.
وكتب هوفمان “تتضمن الحروب الهجينة مجموعة من أنماط الحرب المختلفة، بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والأعمال الإرهابية التي تشمل العنف العشوائي والإكراه والفوضى الإجرامية”، ويمكن أن يكون هذا التنوع في الإجراءات من عمل الفاعل نفسه.
وأشارت المجلة إلى أن هوفمان كان يفكر بشكل أساسي في الجماعات المتمردة والدول الضعيفة مثل إيران، وحزب الله الذي ترعاه إيران في لبنان هو أحد النماذج الأصيلة للمقاتل الهجين.
وفي رأي هوفمان، فإن الحرب الهجينة هي في الأساس شكل من أشكال الحروب غير المتكافئة، حيث يسعى المقاتل إلى تجنب نقاط القوة في خصم أشد بأسا.
من جانبهم، يتحدث الإستراتيجيون الروس عن “الحرب المتفاوتة”، وهو مصطلح شاع في قصة قصيرة بائسة لفيلاديسلاف سوركوف (أحد أقرب مستشاري الرئيس فلاديمير بوتين)، ليعني الصراع الفوضوي “الكل ضد الكل”.
الأب الروحي الآخر المفترض للأساليب غير التقليدية هو الجنرال فاليري جيراسيموف قائد القوات المسلحة الروسية، فقد كتب في مقال نشر عام 2103 “شهدنا في القرن الـ21 ميلا نحو طمس الخطوط الفاصلة بين حالتي الحرب والسلم، ولم تعد تُعلن الحروب، وبعد أن تبدأ تستمر وفقا لنموذج غير مألوف”.
هذه الكلمات -التي كتبت قبل عام من نشر روسيا “رجالها الخضر الصغار” في شبه جزيرة القرم- أصبحت تعتبر نبوءة، باستثناء أن الجنرال جيراسيموف كان يطبق الفكرة على الغرب الذي ألقى باللوم عليه في إثارة الربيع العربي عام 2011 و”الثورات الملونة” في محيط روسيا.
وأشارت إلى أن الدولة المزدهرة “في غضون أشهر وحتى أيام يمكن أن تتحول إلى ساحة نضال مسلح شرس، وتصبح ضحية التدخل الأجنبي، وتغرق في هاوية الفوضى والكارثة الإنسانية والحرب الأهلية”.
إن وصف ما يحدث في أوكرانيا -وفقا للباحثة إليزابيث براو من معهد “أمريكان إنتربرايز” (American Enterprise)- هو أن القتال الشرس على طول “خط السيطرة” بين القوات الأوكرانية والانفصاليين هو “حرب هجينة”.
ولا يزال التخويف والتخريب الروسي لبقية أوكرانيا -بما في ذلك التهديد بالغزو الذي يهز الثقة ويضعف الاقتصاد الأوكراني- يعتبران “عدوي المنطقة الرمادية”، كما وصفت ذلك براو بأنه “استخدام الأعمال العدائية خارج نطاق النزاع المسلح لإضعاف دولة أو كيان أو تحالف منافس”، فإذا قرر بوتين أن مخاطرته ليست كافية وأمر دباباته بالقتال عند ذلك تصبح “حربا هجينة” أو ربما مجرد “حرب” صريحة.
ترجمة الجزيرة