بقلم: أوستن سكيرا وديمترو ل ليفش
الشرق اليوم- كانت عدائية الكرملين واقعاً عايشه الأوكرانيون طوال عقود، وسيستمر هذا الواقع في أوكرانيا سواء أقدمت روسيا على غزو البلد خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة أو امتنعت عن هذه الخطوة.
من الواضح أن قرار الكرملين بإعادة نشر نحو 130 ألف جندي روسي في محيط الأراضي الأوكرانية يطرح تهديداً مباشراً على إنجازات المجتمع المدني الأوكراني المبهرة، كانت “ثورة الكرامة” عام 2014 قد نقلت إلى العالم أجمع رسالة مفادها أن الشعب الأوكراني يتوق إلى التحرر من التدخل الروسي في خضم مساعيه لتقرير مصيره بالوسائل الديموقراطية.
بعد مرور سنوات قليلة على اندلاع تلك الثورة، تجاوز النمو الاقتصادي عتبة 2% في العامَين 2016 و2017، وتخطى 3% في 2018 و2019، ثم أدت أزمة كورونا إلى انكماش الاقتصاد عام 2020، لكن البلد سجّل توسعاً واضحاً على مر نصف عقد رغم الانكماش الذي وصلت نسبته إلى 23% في عام 1994 وأكثر من 15% في عام 2009.
ناضل الشعب الأوكراني لتجاوز إرث الاتحاد السوفياتي القاتل، وتحمّل الأوكرانيون أعباء المؤسسات المملوكة للدولة التي يفوق عددها 3500 كيان وكانت قد أضعفت الاقتصاد وشكّلت أداة مناسبة لتفشي الفساد. تنشط الدولة في قطاعات عدة وتملك حصصاً سوقية مهمة في مجالات مثل الخدمات المصرفية والطاقة.
منذ سنتين، مرّر البرلمان الأوكراني الوطني قراراً تاريخياً لتشريع بيع الأراضي الزراعية للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين سنة، وألغت أوكرانيا قرار تعليق بيع أكثر من 32 مليون هكتار من الأراضي الزراعية التي يملكها ما يفوق 6 ملايين مزارع في الوقت الراهن، واليوم يفرض أصحاب تلك الأراضي سيطرة كاملة على أراضيهم ويستفيدون من قوة غير مسبوقة لبيع وشراء العقارات.
يعد الكرملين مجرّد وجود اقتصاد السوق الحيوي والديموقراطي مصدر تهديد ضده، إنه تهديد لسطوة السلطة الدكتاتورية على الشعب الروسي الذي يشاهد بديلاً جاذباً على الطرف الآخر من الحدود، لهذا السبب، لن يخلو هذا التغيير الجذري من التداعيات المحتملة.
لقد أصبحت جميع الإصلاحات في أوكرانيا على المحك في حين يتابع الكرملين إحكام قبضته على دول أخرى، وتطغى المخاوف من اندلاع حرب شاملة على الآمال بمتابعة مسيرة التحرر.
لن تكون التحذيرات المبهمة كافية لردع حكام دكتاتوريين من أمثال فلاديمير بوتين، ولن تعطي العقوبات الاقتصادية وحدها هذا الأثر، ويبدو بوتين مصمّماً على إعادة إحياء إمبراطورية مشابهة للاتحاد السوفياتي، لذا يصرّ على صدّ حلف الناتو ويمنع جيرانه من الاصطفاف مع الغرب.
بدءاً من القادة الوطنيين وغرف التجارة وصولاً إلى النقابات العمالية والمنظمات الإعلامية، يجب أن يشكّل الغرب جبهة موحّدة ويشارك في جهود ردع شاملة، فيعلن صراحةً أن التعبئة العسكرية الروسية لن تمرّ بلا عقاب ويُحدد التداعيات المحتملة بمصطلحات واضحة كي يفهمها بوتين بسهولة.
قد يتخذ الردع أشكالاً عدة. بدأت دول مجاورة مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا تمنح أوكرانيا أسلحة دفاعية، فقد سبق أن تعهد كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي بتقديم “دعم كامل” لاستقلالية أوكرانيا وسيادتها ووحدة أراضيها، كذلك كانت الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى كييف شكلاً واضحاً من الدعم لحق أوكرانيا بتقرير مصيرها.
يجب أن تشعر الديموقراطيات الليبرالية بقلق شديد على مستقبل أوكرانيا، حيث تحمل جميع الأطراف في المجتمعات الحرّة مسؤولية أخلاقية لإدانة توسّع العدائية الاستبدادية في أوروبا وجميع أنحاء العالم، وسيتابع بوتين وحكام دكتاتوريون آخرون إضعاف الحرية في جوارهم إذا لم يواجهوا الردع المناسب. يمكننا أن نغفل عما يحصل ونخسر، أو نكشف الأكاذيب وحملات التضليل الصادرة عن الكرملين.
من واجبنا أن نفعل كل ما يلزم كي تهزم الحقائق الديمقراطية الأكاذيب الدكتاتورية. يتوقف مستقبل أوكرانيا والعالم الحرّ كله على هذه الخطوة.
ترجمة: صحيفة الجريدة