بقلم: ريتشارد هاس
الشرق اليوم- تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية والصين هذا الشهر باليوبيل الذهبي لعلاقتهما الحديثة ففي فبراير 1972 نزل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يرافقه مستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر من الطائرة في بكين ولاحقا لذلك بوقت قصير التقيا بزعيم الحزب الشيوعي الصيني ماوتسي تونغ، لقد أدت هذه الزيارة الى زلزال جيوسياسي حيث أشار نيكسون الى ذلك بقوله “الأسبوع الذي غيّر العالم”.
لقد أطاحت تلك المصالحة التاريخية بعقدين من العداء بين جمهورية الصين الشعبية- والتي يعرفها معظم الأمريكيين في ذلك الوقت بالصين الحمراء أو الشيوعية- والولايات المتحدة الأميركية، علما أن جذور ذلك العداء تمتد إلى الحرب الأهلية الصينية، حيث دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الوطنيين المعادين للشيوعية، والذين خسروا الحرب واضطروا للهروب الى فورموزا (تايوان) سنة 1949 وفي السنة التي تلتها بدأ الجنود الصينيون والأمريكيون بمحاربة وقتل بعضهم في الحرب الكورية.
لقد أدى تصاعد التوترات الصينية-السوفياتية في أواخر ستينيات القرن الماضي إلى انفتاح دبلوماسي حيث أعتبر نيكسون وكيسنجر بالإضافة الى ماو وتشوان لاي رئيس الوزراء الصيني والدبلوماسي البارز أن الاتحاد السوفياتي هو خصم مشترك، حيث سعت الصين إلى الحماية من حليفها السابق والذي خاضت معه صداما حدوديا مميتا في عام 1969، وفي الوقت نفسه اعتقد نيكسون وكيسنجر أن اتفاقا مع الصين سيعطي نفوذا للولايات المتحدة ضد السوفيات وقد يُسرّع بنهاية حرب فيتنام. لقد كان ذلك مثالا كلاسيكيا على مقولة عدو عدوي هو صديقي.
وحتى مع هذا التلاقي في المصالح، فإن تحقيق اختراق لم يكن سهلاً فلقد كان على الحكومتين الموافقة على إدارة العديد من الخلافات بينهما بدلاً من حلها، فالوثيقة التي تم التفاوض بشأنها بعناية وتم الإعلان عنها في نهاية رحلة نيكسون “إعلان شنغهاي” أشارت الى الخلافات بين الأنظمة السياسية في البلدين وسياستهما الخارجية.
فيما يتعلق بتايوان، وهي القضية الأكثر خلافية، حددت الصين موقفها بأن الحكومة الشيوعية في البر الرئيسي للصين هي الحكومة القانونية الوحيدة للصين وبأن تايوان هي إقليم صيني، وفي مثال على الدبلوماسية الخلاقة بأفضل صورها أقرت الولايات المتحدة بذلك، لكنها لم تصادق على الموقف الصيني وسلطت الضوء على التسوية السلمية للنزاع.
لقد كان العداء المشترك تجاه الاتحاد السوفياتي هو الرابط في العلاقات الصينية الأمريكية طيلة العقدين التاليين، وحتى انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، واعتقدت الصين والولايات المتحدة الأمريكية آنذاك أنهما وجدتا أساساً منطقياً جديداً لعلاقتهما، وذلك من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية، فلقد أراد كل طرف الوصول الى سوق الطرف الآخر، كما أراد الصينيون أيضا الوصول إلى رأس المال والمعرفة الأمريكية، ولقد زادت التجارة الثنائية بشكل كبير وذلك من نحو 20 مليار دولار في عام 1990 إلى 120 مليار دولار بعد عشر سنوات منذ ذلك التاريخ.
لقد تسارعت التجارة الثنائية بشكل أكبر مع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، وهو الأمر الذي دعمته الولايات المتحدة على أمل أن يشجع ذلك على ظهور صين أكثر ليبرالية وتوجها نحو اقتصاد السوق علماً أنه لفترة من الوقت بدا هذا وكأنه رهان معقول، وإن كان طويل المدى ولكن على مدار العقد الماضي في عهد الرئيس شي جين بينغ، نما دور الحكومة في الاقتصاد الصيني وازداد الدعم واستمرت سرقة الملكية الفكرية. لقد أصبحت العلاقات الاقتصادية وبشكل متزايد من جانب واحد مع استمرار العجز التجاري الثنائي للولايات المتحدة مع الصين الذي تصل قيمته لمئات المليارات من الدولارات.
وبالمثل فقد فشلت الآمال بأن العلاقات الاقتصادية ستؤدي إلى حياة سياسية ففي عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ أصبحت الصين أكثر قمعية مقارنة بأي وقت مضى منذ حقبة ماو، فالحكومة المركزية سحقت الديموقراطية في هونغ كونغ وفرضت ضوابط صارمة على الإنترنت، وأجبرت نحو مليون شخص من الإيغور على الالتحاق بمعسكرات إعادة التعليم في محاولة لمحو هويتهم الدينية والثقافية.
بالإضافة الى ذلك أصبحت الصين أكثر حزماً في الخارج، حيث عملت على عسكرة بحر الصين الجنوبي، واستخدمت القوة ضد الهند، وقامت مراراً وتكراراً بإرسال قواتها العسكرية لتهديد تايوان واليابان، ونتيجة لذلك يُفترض على نطاق واسع أن حربا باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين إما حتمية أو جارية بالفعل، حتى أن بعض المراقبين يجادلون بأن كل الجهود المبذولة لإدماج الصين في نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة كان محض خيال يفتقر للحكمة ومناورة محكوم عليها بالفشل أدت إلى تسريع ظهور قوة عظمى منافسة.
إن ما يزيد الطين بلة هو حقيقة أن ما بدأ قبل 50 سنة كتعاون صيني-أمريكي ضد الاتحاد السوفياتي قد تحول الى تعاون صيني-روسي ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وفي بيان مشترك مؤخرا دعمت روسيا الموقف الصيني فيما يتعلق بأصل كوفيد19 وتايوان، ولقد ردت الصين الجميل، وذلك بمعارضة توسيع “الناتو”، وفي خطوة إضافية لدعم السياسة الروسية تجاه أوكرانيا، فشلت الصين في إعادة التأكيد على عقيدتها الراسخة في السياسة الخارجية والمتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
إن الاتجاه المتدهور في العلاقات الصينية-الأمريكية هو اتجاه خطير بالنسبة إلى العالم، وإن التنافس الجيوسياسي المتزايد بين الولايات المتحدة والصين لا يمكن أن يؤدي إلى صراع فحسب، بل إنه يهدد أيضا بتعطيل التعاون في مواجهة التحديات العالمية والتي تتراوح من تغير المناخ والأمراض المعدية إلى التهديدات الإلكترونية والانتشار النووي.
قبل نصف قرن استجابت الولايات المتحدة الأمريكية للانقسام الصيني-السوفياتي، وذلك من خلال سياسة خارجية خلاقة في التصميم والتنفيذ، وإن الانقلاب الدبلوماسي لنيكسون ساعد في ضمان أن تبقى الحرب الباردة باردة وأن تنتهي طبقا لشروط مواتية للغرب.
إن أفضل طريقة للاحتفال بالذكرى الخمسين للانفتاح على الصين ليس بشرب الشمبانيا بل بصياغة نهج مبدع مماثل من أجل المساعدة في إعادة إحياء تلك العلاقة، وهذا النهج سيعترف مجددا بالفروقات بين الأنظمة السياسية والاجتماعية في البلدين ومواصلة التعامل مع خلافاتهما بشأن تايوان والحفاظ على الروابط الاقتصادية باستثناء تلك التي تنطوي على التقنيات الحساسة وتعزيز التعاون في القضايا الإقليمية مثل أفغانستان وكوريا الشمالية وبالإضافة إلى معالجة التحديات العالمية معاً.
ولا يقل أهمية عن ذلك أن تعالج الولايات المتحدة انقساماتها الداخلية وتوسع تعاونها مع الحلفاء الأوروبيين والآسيويين من أجل ردع العدوان الصيني والانضمام إلى الاتفاقيات التجارية الإقليمية، ومن الضروري إجراء مناقشات منتظمة رفيعة المستوى مع القادة الصينيين حيث لا ينبغي أن يكون الهدف هو إحداث تحول بالصين، وهو شيء يتجاوز قدرتنا بل التأثير على سلوكها. إن الدبلوماسية هي أداة للأمن القومي يجب استخدامها إذا أردنا عدم الإفراط في استخدام الأدوات الأخرى بما في ذلك القوة العسكرية.