الشرق اليوم- رغم أن الصين خرجت، الثلاثاء، بتصريحات تدعو إلى “ضبط النفس” في اجتماع طارىء لمجلس الأمن الدولي من أجل بحث تطورات الأزمة الأوكرانية، إلا أن تقريرا لصحيفة “الغارديان” البريطانية أشار إلى أن بكين تملك “فرصة” في الصراع الحالي.
واشتدت الأزمة بعد أن أعلنت موسكو، الاثنين، “استقلال” منطقتي دونيتسك ولوغانسك التي يسيطر عليهما الانفصاليون الموالون لموسكو، في خطوة لاقت استنكارا واسعا.
ومع مخاوف بشأن مواجهات عسكرية واجتياح روسي لأوكرانيا، كلف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قوات الجيش الروسي بـ “حفظ السلام” في المنطقتين، ودعت موسكو إلى استدعاء قوات من الخارج.
وفرضت بريطانيا والولايات المتحدة عقوبات على الانفصاليين المسيطرين على المناطق التي أعلن بوتين “استقلالها” عن أوكرانيا، في حين يبحث الاتحاد الأوروبي خطط لفرض عقوبات إضافية.
بكين من جهتها حضت في مجلس الأمن، الاثنين، جميع الأطراف على “ضبط النفس” وتجنب المزيد من التصعيد في الأزمة الأوكرانية، ودعت خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي للتوصل إلى حل دبلوماسي.
وقال سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، “على جميع الأطراف المعنية ممارسة ضبط النفس وتجنب أي عمل من شأنه تأجيج التوتر. نرحب بكل جهد للتوصل إلى حل دبلوماسي ونشجعه”.
أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرض عقوبات جديدة على موسكو، الثلاثاء، في أعقاب قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاعتراف بمنطقتين انفصاليتين شرق أوكرانيا وإرساله قوات إلى هناك لـ “حفظ السلام”.
“نقطة شائكة“
ورغم أن تشكل الأزمة التي تتكشف في أوكرانيا تعد “معضلة دبلوماسية” للصين، وفقا للصحيفة، إلا أنها توفر أيضا “فرصة” لبكين، حيث من المرجح أن تستمر في تشتيت انتباه إدارة جو بايدن قبل الانتخابات النصفية الأمريكية في وقت لاحق من هذا العام.
ويخضع وقوف الصين إلى جانب روسيا لتدقيق شديد اليوم، بالأخص بعد أن تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، لنظيره الروسي، في 4 فبراير، بأنه لن يكون هناك “مجالات تعاون محظورة” في علاقتهما الثنائية.
ناقش المحللون الصينيون موقف دولتهم إزاء ما يحصل، فحين دافع بعض المتشددين عن سياسة خارجية موالية لروسيا، يرى آخرون أن على بكين استغلال هذه الأزمة لحماية العلاقات مع واشنطن.
ويقول وانغ هوياو، رئيس “مركز الصين والعولمة”، وهو مركز أبحاث مقره بكين ويقدم المشورة للحكومة: “تريد الصين في النهاية علاقات جيدة مع الولايات المتحدة”.
ويضيف هوياو: “صحيح أن بكين وموسكو تعهدتا بتوثيق التعاون، لأن كلا البلدين لديهما مخاوف مماثلة بشأن التدخل الخارجي في قضايا الأمن الخاصة بهما”.
وأشار إلى أن الصين ترى بعض أوجه الشبه في المواجهة الروسية مع الغرب فيما يخص توسع الناتو شرقًا إضافة إلى مخاوفها المتعلقة ببحر الصين الجنوبي، ومع ذلك، لا تدعم واشنطن وحلفاؤها مزاعم بكين في جزء كبير من المنطقة الجنوبية.
أما الدكتور يو جي، وهو زميل متخصص بالشأن الصيني في مركز الأبحاث “تشاتام هاوس” بلندن، قال: إن الأزمة تسلط الضوء على “نقطة شائكة” في علاقة بكين بموسكو في أعقاب استثمار شي الكبير فيها.
ويقول: إن الصين تأمل أن تقدم روسيا دعما دبلوماسيا كاملا لمبادرات بكين العالمية المختلفة في ظل عدد كبير من البرامج التي تقودها الأمم المتحدة، لكن تحرك موسكو الحالي عقّد الأمور بالنسبة لرغبات الصين.
ويشير الباحث أيضا إلى أن بعض الاستراتيجيين في بكين ينظرون الآن إلى هذا الوضع بشكل إيجابي لأن إدارة بايدن مشتتة، ونتيجة لذلك من المحتمل أن يكون لدى الولايات المتحدة، على الأقل، طاقة وموارد أقل لمواجهة نفوذ الصين المتنامي في المحيطين الهندي والهادئ، وذلك قبل الانتخابات النصفية الأميركية في نوفمبر من هذا العام.
لكن الصين بالتأكيد لا تشجع الأسلوب العدائي الذي تتبعه موسكو في الملف الأوكراني، وهذا ينعكس وفقا للصحيفة على تصريحات سفير الصين لدى الأمم المتحدة، الإثنين.
دعم صيني حذِر
وقالت “أسوشيتد برس”: إن الأزمة الأوكرانية “تختبر” العلاقات الروسية الصينية، ورغم أن بكين أبدت دعمها في الظاهر لروسيا أمام مجلس الأمن وشاركت في المواقف المنددة إلى جانب موسكو، إلا أن وزير خارجيتها عبر عن موقف آخر.
ففي كلمة له أمام مؤتمر ميونيخ للأمن قبل أيام، انتقد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الولايات المتحدة ، متهما “قوة معينة” بـ “إثارة العداء”.
ورغم ذلك، ردا على سؤال من رئيس المؤتمر، ولفغانغ إيشينغر، قال الوزير الصيني إنه “يجب احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي أي دولة وصيانتها، لأن هذا هو المعيار الأساسي للعلاقات الدولية”، مضيفا أن “أوكرانيا ليست استثناء”.
وأشار يي أيضا أن القوى الكبرى يجب أن تعمل دفاعا عن السلام العالمي ولا ينبغي لأي دولة “تكرار أخطاء الماضي في تشكيل تحالفات متنافسة”.
وترى صحيفة “التايمز” أن موقف بكين من الخطوات الروسية لا يزال مبهما، مرجحة أن الرئيس الصيني “شعر بالصدمة” بعد إعلان بوتين إرسال قوات روسي إلى دونيتسك ولوغانسك، ونبذ الأخير أي وجود شرعي للدولة الأوكرانية.
وتشير إلى أن هناك “تناقضا” في العلاقة الروسية الصينية، ففي 19 فبراير الحالي، قال وزير الخارجية الصيني إن اتفاقيات “مينسك” قد تعد “الطريق الوحيد للخروج من الوضع الأوكراني”، ليرمي بوتين بصراحة، في خطابه الإثنين، تلك الاتفاقيات عرض الحائط.
وتشير “التايمز” إلى أن بكين ليست معتادة بشكل عام على تأييد إعادة تقييم الحدود الإقليمية (بخلاف ما هو على هامشها لمصلحتها الخاصة). فهي لم تعترف مثلا بضم بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014.
لكن هناك علامات على حدوث “تحول في التفكير”، وفقا للصحيفة، ففي الشهر الماضي، كانت الصين الدولة الوحيدة في مجلس الأمن الدولي المكون من 15 دولة التي صوتت مع روسيا في محاولة فاشلة لوقف اجتماع طلبته الولايات المتحدة بشأن حشد موسكو لقواتها على حدودها مع أوكرانيا.
ونقلت شبكة “سي أن أن” عن محللين قولهم إن بكين ستكون حذرة من أن يُنظر إليها على أنها مذنبة بسبب علاقتها الوثيقة مع موسكو، وستسعى الآن إلى السير على حبل مشدود.
ويقول ألفريد وو، الأستاذ المشارك في كلية لي كوان يو للسياسة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية، للشبكة الأميركية: “إنهم لا يريدون الانخراط ولا يريدون الإدلاء بموقف قوي للغاية، (بهذه الطريقة) لن تغضب الولايات المتحدة وروسيا (لن تغضب أيضا)”.
وأضاف وو أن بكين تريد تجنب العقوبات الغربية التي تستهدف تصرفات موسكو وستكون “حريصة على ألا تعكس صورة لنفسها بأنها تدعم روسيا علانية”.
المصدر: الحرة