الشرق اليوم- واجهت حكومة رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، موقفاً صعباً بسبب الاحتجاجات المعادية للقاحات كورونا في كندا، وفضّل ترودو مقاربة عدم التدخل للتعامل مع التظاهرات الواسعة التي شلّت أهم الطرقات ومراكز المدن في أنحاء البلد، وقد سئم الكنديون العاديون من الوضع القائم، حيث تكشف استطلاعات الرأي أن أقلية من الكنديين كانت تدعم تلك الاحتجاجات، أما أغلبية الشعب، فقد نفد صبرها من ردود ترودو الباردة على التظاهرات، إذ يتطلب هذا الوضع تحركاً جدّياً، لكن يبدو أن الضغوط التي تتعرض لها أوتاوا أقنعت ترودو بإبداء ردة فعل مبالغ فيها.
قبل أيام لجأت الحكومة الكندية إلى صلاحيات طارئة لم تكن تُستعمَل سابقاً لإنهاء الحصار الذي أغلق نقاط العبور الحدودية في أنحاء كندا، كانت التكاليف المالية التي سببتها هذه الاحتجاجات مريعة على الكنديين العاديين، لكنها تبقى باهتة مقارنةً بأهمية استمرار حركة المرور عبر الحدود لحماية مصالح البلد الاستراتيجية، فلا يمكن أن تتقبل أي دولة مستقلة في العالم هذه الظروف إلى الأبد، لكن تُمهد الصلاحيات الطارئة التي لجأ إليها ترودو لتعليق الحريات المدنية بطريقة قد تزيد حدّة الأزمة التي تحاول الحكومة الكندية معالجتها.
لإجبار الكنديين على الانسحاب من الشوارع، حذّر ترودو كل من يشارك في أي تظاهرات مستقبلية من مواجهة عواقب قد تقلب حياته رأساً على عقب. اليوم تملك السلطات، بما في ذلك الجيش، صلاحية منع التجمعات العامة والسفر إلى بعض المناطق أو الخروج منها، ولا تقتصر صلاحيات الشرطة على مصادرة المركبات المستعملة لإغلاق الشوارع بل إنها تستطيع الاستعانة بمشغّلي شاحنات السحب من القطاع الخاص لتقديم خدماتهم إلى وكالات إنفاذ القانون. قد يكتشف المخالفون أن التأمين على مركباتهم انتهى وقد تتجمد الحسابات المصرفية الخاصة بشركاتهم، والأسوأ من ذلك هو أن الفرد الذي يتصادم مع السلطات في الأيام الثلاثين المقبلة (إذا صادق البرلمان على هذا القرار) قد يتجمّد حسابه المصرفي الشخصي من دون الحاجة إلى قرار من المحكمة، مما يحرم المستهدفين من أي وسيلة لإصلاح الوضع.
لا يعتبر ترودو هذه الإجراءات الاستثنائية أداة لإضعاف الحريات المدنية الفردية، بل يقول: “نحن لا نحدّ من حرية التعبير التي يتمتع بها الناس، ولا نحدّ من حرية التجمع السلمي، ولا نمنع الناس من ممارسة حقهم بالاحتجاج بالطرق القانونية”. قد يكون كلامه صحيحاً بدرجة معينة، لكن تريد الحكومة أن تمنع الأفراد من المشاركة في احتجاجات غير مصرّح بها عبر تهديد قدرتهم على التنقل في المجتمع بكل حرية. قد يصبح المخالفون في مصاف المنبوذين، فتجبرهم الدولة على عيش حياة معزولة، خارج النظام المالي المعتمد، ويعجزون حينها عن المشاركة في الاقتصاد بالكامل، حتى أنهم قد يصبحون عاطلين عن العمل. لا مفر من أن تُرسّخ هذه التدابير مشاعر الاضطهاد التي دفعت هؤلاء المحتجين إلى النزول إلى الشارع أصلاً، حتى أنها قد تطلق ردة فعل أكثر عدائية إذا نفذت الحكومة تهديداتها على أرض الواقع. حين تقرر الدولة التعامل مع مجموعة فرعية من السكان وكأنهم متمردون، يجب ألا تتفاجأ حين يتصرفون كمتمردين عنيفين.
لم يكن أيٌّ من هذه الإجراءات ضرورياً، حيث يمكن أن يتخلى المتظاهرون الرافضون لإلزامية اللقاح عن عنادهم وينضموا إلى 90% من الكنديين الذين تلقوا جرعات كاملة أو جزئية من اللقاحات، كذلك كانت الحكومة الكندية تستطيع التخلي عن القرار الذي صدر للضغط على 10% من السكان ودفعهم إلى تبنّي سلوكيات لن تحمي بقية الشعب من عدوى كورونا. لقد تحوّل هذا الوضع إلى صراع شائك على مبادئ مبهمة، لكن جاءت إجراءات الحكومة الكندية لتوضح تلك المبادئ بدرجة مفرطة، وأصبحت عواقب تطبيق المعتقدات التي تريد الدولة كبحها ملموسة اليوم، وقد تترافق هذه المعركة مع تداعيات وجودية محتملة ولا تزال المواجهة في بدايتها
ترجمة: صحيفة الجريدة