الرئيسية / مقالات رأي / المستقبل للغاز

المستقبل للغاز

بقلم: أنس بن فيصل الحجي – إندبندنت عربية

الشرق اليوم – التخلص من الفحم سواء بسبب التغير المناخي أو بسبب ارتفاع مستويات التلوث أصبح حقيقة واقعة، بخاصة في الدول الصناعية، التي قامت وتطورت أصلاً بسبب اعتمادها على الفحم كمصدر أساس للطاقة، ولمئات السنين. 

وما مكّن الدول الصناعية من التخلص من الفحم وفرة الغاز، سواء عن طريق الأنابيب أو عن طريق إعادة تغويز الغاز المسال (الغاز ينقل إما عن طريق الأنابيب أو عن طريق سفن خاصة بعد تسييله من خلال تبريده، حيث تزداد كثافته بشكل كبير، لنقله في هذه السفن الخاصة).

لا شك أن التحول إلى الطاقة المتجددة لعب دوراً كبيراً في تخفيض مستويات التلوث في بعض المناطق، ولكن ما كان لهذا التحول أن يحصل لولا وجود الغاز الطبيعي الذي عوض عن الفحم من جهة، وغطى على تقطع طاقة الرياح والطاقة الشمسية من جهة أخرى.

ومن الواضح أن اقتصادات الدول الناشئة تأخذ المنحى نفسه، على الرغم من الاستمرار في اعتمادها على الفحم حالياً. فالطريقة الوحيدة للتخفيف من استخدام الفحم في توليد الكهرباء هو استخدام مزيد من الغاز، على الرغم من الاستعانة بالطاقة المتجددة، وذلك لأنه من الواضح أن حكومات الاقتصادات الناشئة أكثر رشداً من حكومات الدول الصناعية، إذ قررت تحقيق التوازن بين أمن الطاقة وأمن البيئة، بينما ضحت حكومات الدول الصناعية بأمن الطاقة، فانتهت هذه الحكومات بأزمة الطاقة الحالية.

والطريق الوحيد لتخفيف انبعاثات الكربون لمقابلة متطلبات التغير المناخي أو الحياد الكربوني، وتحقيق التوازن بين أمن الطاقة وأمن البيئة والأمن الاقتصادي، وحتى الأمن القومي في بلاد صناعية عدة، هو التوسع في استخدام الغاز الطبيعي. فقد حقق التحول من محطات الكهرباء العاملة بالفحم إلى محطات الكهرباء العاملة بالغاز انخفاضاً ملحوظاً في انبعاثات الكربون في عدد من الدول، بخاصة الولايات المتحدة، على الرغم من ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. هذه النقطة الأخيرة هي أهم نقطة في مقال اليوم: كيف نحقق انخفاضاً في انبعاثات الكربون من دون حدوث ركود أو كساد اقتصادي؟ البيانات تشير إلى أن هذا تحقق، لا سيما بين عامي 2014 و2019 في الولايات المتحدة عن طريق التحول من الفحم إلى الغاز الطبيعي! ويبدو أنه تحقق في كثير من الدول التي زادت من استخدام الغاز عن طريق الفحم، فانخفضت معدلات زيادة انبعاثات الكربون في هذه الدول.

ويمكن للغاز الطبيعي أن يحل محل الفحم بسهولة من دون التأثير في النمو الاقتصادي بسبب كثافة الطاقة العالمية في الغاز، وهو أمر لا يتوافر في الطاقة المتجددة، بسبب أن كليهما غير متقطّعين، بينما الطاقة الشمسية والهوائية متقطعة. إلا أن سياسات الحياد الكربوني تتطلب مزيداً من الغاز مع التوسع في الطاقة المتجددة، لأنه الوقود الوحيد الذي يستطيع تغطية تقطع الطاقة الشمسية والهوائية، ليس بسبب تقليل الاعتماد على الفحم والطاقة النووية، ولكن لأن محطات الكهرباء العاملة بالغاز تتمتع بمرونة عالية في التشغيل، بخاصة مع وفرة الغاز في أماكن عدة من العالم، كما أن الربط الكهربائي يساعد دولاً أخرى على الحصول على الكهرباء من الغاز.

المشكلة الأخرى أنه، بغض النظر عن محاولة بعض الدول التخلص من الطاقة النووية، فإن الدول التي تستمر في استخدامها تعاني من قدم بعض المحطات، الأمر الذي يعني طول فترة الصيانة من جهة، وتوقفها المفاجئ من جهة أخرى. في هذه الحالات، المصدر الوحيد الذي يستطيع التعويض هو الغاز الطبيعي.

إلا أن لكل شيء حدود… وهناك عوامل سياسية واقتصادية تحجم من التوسع في مجال الغاز، وما نشهده في أوروبا مثال على ذلك. إلا أن الأثر مازال محدوداً طالما أن الولايات المتحدة تستطيع التعويض عن جزء من الغاز الروسي. لهذا فإن اللجوء للطاقة النووية حالياً هو أحد الأسباب الرئيسة التي ستحجم من نمو الطلب على الغاز في بعض الدول.

مزايا الغاز

ما يجعل الغاز يختلف عن مصادر الطاقة الأخرى، أنه مثل النفط، يمكن تصنيع أشياء كثيرة منه، لاسيما في مجال البتروكيماويات واللدائن. بعبارة أخرى، استخدامه في مجال الكهرباء سيخفض انبعاثات الكربون، إلا أن سياسات محاربة التغير المناخي ومحاولة الوصول إلى الحياد الكربوني تتطلب مزيداً من الغاز (والمواد النفطية)، لأسباب صناعية كثيرة.

مثلاً، بطاريات السيارات الكهربائية ثقيلة جداً، ولهذا فإن أي سيارة كهربائية أثقل من مثيلتها التي تسير بالبنزين أو الديزل بفارق كبير. تقوم شركات السيارات حالياً بمحاولة تخفيف وزن السيارات عن طريق تخفيف وزن الهيكل، للتعويض عن وزن البطارية. المواد الوحيدة التي يمكن أن تستخدم في هذه الحالة تنتج كلها من قطاع البتروكيماويات، من الغاز والنفط. الأمر نفسه ينطبق على عنفات الرياح، التي تزداد جدواها الاقتصادية طردياً مع طول الشفرات، وزيادة طول الشفرات تعني زيادة الوزن، وهذه الزيادة خطرة، لهذا يتم اللجوء إلى مواد أخف لصناعة الشفرات، وهذه المواد تأتي من الغاز والنفط.

ويسهم الغاز في تخفيض الانبعاثات عند تحويل السيارات والحافلات من الديزل إلى الغاز. وهناك اتجاه في دول عدة إلى زيادة عدد الحافلات، منها مصر. هذا التوجه سيزداد مع الزمن بسبب المشكلات المالية والبيئية والاستراتيجية المتعلقة بالتحول إلى السيارات والحافلات الكهربائية.

كما أنه يستخدم في إنتاج الهيدروجين، الذي سيصبح جزءاً كبيراً من وقود المستقبل في كل المجالات، سواء في توليد الكهرباء أو وقود السيارات والشاحنات.

خلاصة القول إن الغاز ليس “جسراً” لوقود آخر كما يتوقع البعض، وإنما جزءاً أساسياً من مزيج الطاقة لزمن طويل يسهم في تحقيق التوزان بين أمن الطاقة وأمن البيئة. وستستفيد الدول المنتجة للغاز بشكل كبير، بخاصة الدول المصدرة للغاز المسال. ومن المتوقع أن تلعب دول الخليج دوراً كبيراً في هذا المستقبل، لا سيما قطر وإيران، إلى جانب السعودية ومصر والجزائر.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …