بقلم: شولتو بيرنز
الشرق اليوم- جاءت الذكرى الأولى للانقلاب العسكري في ميانمار لتسلّط الضوء على وضع البلد المزري ومعاناته الشديدة في ظل حملات القمع التي يطلقها النظام، لكنها كشفت أيضاً عن حجم التصدعات في رابطة أمم جنوب شرق آسيا التي تنتمي إليها ميانمار.
تسلمت كمبوديا رئاسة الرابطة في بداية السنة الجديدة، ويبدو أنها تميل إلى اتخاذ مواقف أكثر تساهلاً تجاه ميانمار، فقد زار رئيس الوزراء هون سين ميانمار في يناير وعقد اجتماعات مع قائد الجيش مين أونغ هلاينغ، ثم دُعِي وزير الخارجية وونا مونغ لوين إلى المشاركة في اجتماع وزراء خارجية رابطة أمم جنوب شرق آسيا في منتصف الشهر، وتغيّر موعد الاجتماع بعدما استعمل المشاركون أزمة كورونا كعذر للامتناع عن الحضور، لكن كان السبب الحقيقي يتعلق بمعارضتهم وجود ممثّل عن المجلس العسكري، وتحمل إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة موقفاً متشدداً من هذا الموضوع.
لكن قد تكون المشكلة الحقيقية أكثر تعقيداً من ذلك، يقول آرون كونيلي، الذي يجري أبحاثاً مكثفة حول منطقة جنوب شرق آسيا في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية في سنغافورة، إن هون سين أدى دوراً مؤثراً جداً في اجتماع رابطة أمم جنوب شرق آسيا حول ميانمار في شهر أبريل الماضي، ويقال إنه وجّه انتقادات لاذعة ضد مين أونغ هلاينغ. بدت العلاقات متوترة بين هون سين والمجلس العسكري برأي كونيلي، وفي المقابل يعتبر الكثيرون زعيم كمبوديا صانع سلام انطلاقاً من تجاربه السابقة ومشاركته في إنهاء الحرب الأهلية التي امتدت عقوداً خلال التسعينيات.
يظن كونيلي أيضاً أن دعوة وزير خارجية ميانمار كانت خطوة خاطئة أو شكلاً من سوء التفاهم لأن أحداً لم يعلن بكل وضوح أن إقصاء رئيس المجلس العسكري في السنة الماضية يعني عدم حضور أي وزراء تابعين للنظام لاجتماعات رابطة أمم جنوب شرق آسيا.
في مطلق الأحوال، أعلنت كمبوديا أن ممثلاً غير سياسي عن ميانمار تلقى دعوة لحضور الاجتماع في منتصف شهر فبراير بدل وزير الخارجية الذي عيّنه الجيش، وهكذا تجنبت رابطة أمم جنوب شرق آسيا كارثة حقيقية.
لكن لا يعني ذلك أن هون سين لم يعد مقتنعاً بأن مكانته الاستثنائية تُخوّله جمع مختلف الأطراف في ميانمار. يقول الوزير والسفير الكمبودي السابق، بو سوثيراك، إن الإجماع حول النقاط الخمس في السنة الماضية (دعا هذا الاتفاق إلى إطلاق حوار بنّاء ووقف أعمال العنف فوراً) لم يرتكز على خريطة طريق أو إطار زمني معيّن، ربما اشتق ذلك الاتفاق من مقاربة هون سين غير المشروطة، فقد عبّر بكل بساطة عن رغبته في التحاور مع الطرف الآخر.
يتساءل سوثيراك: “ماذا سيحصل إذا لم ينجح هون سين في كسر الجليد الآن؟ ربما يستحق هذا الرجل بعض الثقة لمعرفة ما يستطيع تحقيقه”.
توافقه الرأي إلينا نور، مديرة شؤون الأمن السياسي في “معهد سياسة مجتمع آسيا” في واشنطن، لكنها تحمل بعض التحفظات، ونظراً إلى حجم الكارثة الإنسانية في ميانمار، يجب أن يوضع إطار زمني محدد لتقييم فاعلية المقاربة المعمول بها.
إنها وجهة نظر منطقية، فقد راقب العالم ذبح المدنيين وحرق القرى بأقصى درجات الرعب، لكنّ الجيش في ميانمار معروف تاريخياً بتجاهل المجتمع الدولي وتجاوز أي عقوبات يتعرّض لها، وقد ينجح هون سين في المجالات التي فشل فيها الآخرون حتى الآن، ربما حان الوقت كي تُعوّل رابطة أمم جنوب شرق آسيا وشعب ميانمار على هون سين، على أمل أن يتحوّل اقتناعه بقدرته على إرساء السلام إلى تقدّم ملموس انطلاقاً من الإجماع السابق حول النقاط الخمس، حيث يجب أن تنحسر مأساة هذا البلد في أسرع وقت ممكن.