بقلم: محمد كمال – المصري اليوم
الشرق اليوم – خرج العدد الأخير لمجلة «الإيكونومست» الشهيرة وعليه صورة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وعنوان «مهمة بوتين الفاشلة.. حرب أم لا حرب لقد أخطأ في التقدير». وجهة نظر الإيكونومست، والتي أختلف معها، هي أن بوتين سيخرج خاسرا من الأزمة الأوكرانية، أيًا كان السيناريو، سواء تصعيد أم تهدئة. وجهة نظري أن تحليل «الإيكونومست» قد يكون صحيحًا لو نظرنا لنتائج الأزمة في المدى القصير أو على مستوى التكتيك، ولو كان تعاملنا مع النتائج طويلة الأمد أو المستوى الاستراتيجي فقد نصل لنتيجة مغايرة.
يشير المقال الرئيسي في «الإيكونومست» حول الموضوع، إلى أن أزمة أوكرانيا أدت إلى تجميع خصوم «بوتين» بقيادة الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، وأن الأزمة وحّدت الغرب، الذي وافق على حزمة أكثر صرامة من العقوبات على روسيا في حالة غزوها لأوكرانيا، أكثر من تلك التي تبناها عام ٢٠١٤، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم. كما عاد حلف شمال الأطلنطي (الناتو) إلى صدارة الاهتمام بين الحلفاء الغربيين، وهو نفس الحلف الذي وصفه الرئيس الفرنسي ماكرون عام ٢٠١٩، بأنه في حالة «سكتة دماغية». وكذلك أعلنت ألمانيا أن الغزو الروسي لأوكرانيا سوف يقتل مشروع خط أنابيب الغاز الروسي الجديد لها والمعروف باسم «خط الشمال ٢». يضاف لذلك أن الأزمة قد زادت مشاعر غالبية مواطني أوكرانيا بأن مصيرهم مع الغرب وليس مع روسيا.
ويشير تحليل الإيكونومست إلى أن بوتين حصل على تأكيدات أن أوكرانيا ليست على وشك الانضمام إلى الناتو، ولكن يصف ذلك بأنه مكسب رخيص، لأن سفينة العضوية كانت دائمًا بعيدة عن أوكرانيا. ويذكر أن السيد بوتين وضع أمن أوروبا في جدول الأعمال، لكن المحادثات بشأن هذا الأمر ستكون في مصلحة الجميع، لأنها تقلل من خطر الصراعات، وليست انتصارًا للسيد بوتين. ويضيف المقال أن التوجه الروسي نحو الصين، خلال هذه الأزمة، ستكون محصلته أن موسكو سيتم التعامل معها على أنها «الشريك الأصغر» لبكين، وهذا الأمر سيثير غضب بوتين.
ما يغيب عن تحليل «الإيكونومست» هو البعد الاستراتيجي للأزمة، وأن الأمر بالنسبة لبوتين يتعلق بما هو أبعد من أوكرانيا، ويرتبط برؤيته لنظام دولي جديد، يقوم على تعددية قطبية، أحدها روسيا، وبعيد عن الهيمنة الأمريكية.
نقطة البداية في تفكير بوتين هو أن الحرب الباردة لم تنتهِ بهزيمة روسيا وانتصار الولايات المتحدة، كما يدعى الغرب، ولكن الأمر ارتبط بإرادة روسية، سواء فيما يتعلق بتفكيك الاتحاد الروسي واستقلال جمهورياته، أو حل حلف «وارسو» وخروج دول أوروبا الشرقية من الفلك السوفيتي، وأن الولايات المتحدة هي التي تخلت عن تعهدها بعدم توسع حلف شمال الأطلنطي «بوصة واحدة» شرق ألمانيا بعد توحيدها، ولكن القيادات الأمريكية المتعاقبة استغلت حالة عدم الاستقرار التي كانت تمر بها روسيا، وأخلفت وعدها حتى اقترب الحلف من حدود روسيا. الآن وبعد أن استعادت روسيا جانبًا من قوتها، يرى بوتين أن هذه هي اللحظة المناسبة لطرح المخاوف الأمنية الروسية من توسع الناتو، وإعادة رسم الترتيبات الأمنية في أوروبا وفقًا لتفاهمات نهاية الحرب الباردة، التي تجاهلتها الولايات المتحدة. وبالتأكيد نجحت روسيا في وضع هذا الموضوع في صدارة الاهتمام مرة أخرى، وتم التأكيد على أهمية روسيا كشريك للحوار بشأنه.
المسألة الأكبر في تفكير بوتين هي اعتقاده بأن القوة الأمريكية في حالة تراجع، وأن التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها أصابه ضعف كبير، كما اتضح في هرولة الخروج من أفغانستان، وتنامي توجهات العزلة في الداخل الأمريكي، ومن ثم فإن هذه هي اللحظة المناسبة لتحدى الولايات المتحدة، وإظهاره قدراتها الضعيفة في مساندة حلفائها، وبالتالي هزّ صورتها كقوة عظمى مهيمنة.
في هذا الإطار، يشبه البعض الأزمة الأوكرانية بأزمة السويس عام ١٩٥٦، عندما ظهر ضعف المملكة المتحدة كقوة كبرى في العالم ولم يعد أحد يتعامل معها كقوة كبرى، وارتفعت – في المقابل- مكانة الولايات المتحدة. البعض يرى أن هذه «لحظة سويس» ثانية، وأن الهدف الروسي الأساسى هو التأكيد على نهاية نظام القطبية الأحادية الأمريكية، وظهور نظام متعدد الأقطاب يضم القطب الروسي. وهنا، لا تستبعد روسيا العمل العسكري في أوكرانيا، حتى لو كان محدودًا، بهدف إظهار ضعف رد الفعل الأمريكي، حيث سيقتصر على العقوبات الاقتصادية، التي تعتقد روسيا أنها بإمكانها تحملها كثمن لهدفها الاستراتيجي الأكبر.
وهنا يمكن الإشارة إلى أن تحدى الولايات المتحدة في هذه اللحظة التاريخية لن يقتصر فقط على روسيا، وسوف تسير الصين في نفس الطريق، ومن الوارد أن يحدث تصعيد بشأن تايوان أو بحر الصين الجنوبي، يكون هدفه الأساسي هو إظهار الضعف الأمريكي كقوة عظمى. باختصار، نحن أمام لحظة مهمة في تشكيل نظام دولي جديد، والمسألة أكبر من أوكرانيا.