افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – متابعة ما يجري ميدانياً في مسار الأزمة الأوكرانية يمكن أن تكون على شكل التنجيم في ما يتعلق بالاحتمالات والتداعيات المحتملة، فهنالك اشتباكات على الحدود الأوكرانية مع إقليم دونيتسك المدعوم من روسيا قد لا تبقى محدودة، وهناك مناورات روسية جوية وبحرية وبرية واسعة تستخدم فيها الصواريخ فرط صوتية والقاذفات الإستراتيجية في بيلاروسيا وسوريا والبحر المتوسط، كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشرف على مناورات نووية مع بيلاروسيا وسط استمرار الاتهامات الأمريكية بالاستعداد لغزو وشيك لأوكرانيا، ومواقف غربية تحذر من عواقب وخيمة جداً إذا ما قامت روسيا بالغزو.
المشهد ضبابي بالكامل، ويوحي بأن العالم دخل مرحلة الجنون، ويتجه نحو صدام كارثي ما لم تتخذ خطوات دبلوماسية عاجلة ويتم التوصل إلى حل يلبي طلبات موسكو الأمنية.
المسؤولون الأمريكيون في حالة ارتباك تجاه تلك الاحتمالات، فالبيت الأبيض يؤكد أن روسيا قد تشن هجوماً على أوكرانيا في أي وقت، في حين تقول نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس إن روسيا قد تلجأ إلى تلفيق اعتداء لتبرير هجوم على أوكرانيا، فيما يقول وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن الغزو الروسي ليس حتمياً، وأضاف «نأمل أن يتراجع بوتين عن حافة الهاوية».
المستشار الألماني أولاف شولتس أكد من جانبه «نحن بحاجة إلى مزيد من العمل الدبلوماسي.. ولكن من دون أن نكون ساذجين»، وأشار إلى ضرورة وجود «دبلوماسية أوروبية مستقلة»، وهذا يعني أن على أوروبا أن تخوض معركة دبلوماسية متواصلة مع روسيا، من دون الارتباط بالموقف الأمريكي؛ ذلك أن مصالح أوروبا والولايات المتحدة مع روسيا متعارضة نظراً للجغرافيا التي تربط بين روسيا وأوروبا والمصالح الجيوبولوتيكية بين الطرفين، إضافة إلى أن أوروبا ستدفع الثمن لوحدها في حال انتقل الصراع إلى الميدان.
يعيش العالم في الواقع حالة من عدم اليقين، بين القدرة على أن تكبح الدبلوماسية الاندفاع نحو الهاوية، وأن يواصل الجنون فعله باتجاهها.
وهذا بطبيعة الحال يطرح سؤالاً حول مسألة الأمن العالمي، هل يبقى العالم رهينة ازدواجية بين أن تقرر دول معينة مثل الولايات المتحدة شكل أمنها ومداه الحيوي، باعتبارها القوة القادرة على تحديده بمعزل عن أمن الآخرين، أم أنه آن الأوان لأن يكون الأمن تشاركياً أي أن يكون متوازناً؟
هناك في الحقيقة نوع من الاستنسابية في تحديد مفهوم الأمن تفرضه الولايات المتحدة على العالم وفقاً لمصالحها، فهي ترى أن أمن بعض الدول مسألة مقدسة رغم أن هذا الأمن يتحقق على حساب الآخرين، في حين ترفض أن يكون الأمن مسألة تدخل في صلب سيادة وحقوق كل دولة وشعب.
وعندما يزحف حلف الأطلسي باتجاه الحدود الروسية، فإن مسألة أمن هذا البلد تصبح على المحك، لأن ذلك يعني أن حدود الناتو – الولايات المتحدة تصبح على مشارف موسكو.. لذا لا بد من أمن متبادل ينقذ العالم من الوقوع في الهاوية.. وهذا دور يمكن أن تلعبه أوروبا المستقلة.