الشرق اليوم- حافظت الصين على موقف متوازن ظاهريا، حينما دعا وزير خارجيتها وانغ يي، السبت، إلى “احترام وحماية” سيادة أوكرانيا، لكنه قال أيضا: إن “توسيع حلف شمالي الأطلسي يزعزع استقرار القارة”.
ومع أن التصريحات هذه تبدو وكأنها مصممة لمراعاة موقف طرفي الأزمة، لكنها تتماشى تماما مع المطالب الروسية، التي ترهن أي حل في أوروبا بعدم توسيع حلف الناتو.
وقال الوزير في مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا، الذي حضرته أيضا نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، والذي هدف إلى حشد الرأي العام الدولي ضد روسيا، إنه “إذا استمر حلف شمال الأطلسي في التوسع شرقا، هل سيفضي ذلك الى الحفاظ على السلام والاستقرار في أوروبا؟”.
ويعتقد المسؤولون الغربيون أن هذه التصريحات مثال على ما يعتقده المسؤولون الغربيون من أن الصين تقوم بـ”أرجحة جريئة جديدة” في وجه الولايات المتحدة وحلفائها من خلال الخوض في قضايا الأمن الأوروبي لدعم روسيا صراحة، التي جمعت ما يصل إلى 190,000 جندي حول أوكرانيا لغزو محتمل – على الرغم من حقيقة أن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي في أي وقت قريب.
ويقول المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون الحاليون والسابقون إنهم قلقون إزاء ما هو في الواقع اتفاق عدم اعتداء بين الصين وروسيا يمكن أن يرقى إلى إعادة تنظيم النظام العالمي.
ويقول مسؤولون في إدارة بايدن إن الولايات المتحدة ستعمل على إنشاء وتعزيز تحالفاتها الخاصة من الدول الديمقراطية – بما في ذلك أوروبا الجديدة والمجموعات الاستراتيجية لآسيا والمحيط الهادئ – ومساعدة البلدان على تطوير قدرات عسكرية متقدمة.
وقال كبير المتحدثين باسم البنتاغون، جون كيربي، الأسبوع الماضي: إن الحكومة الأمريكية تراقب ” العلاقات المزدهرة ” بين الصين وروسيا.
وأضاف: أن بيانا مشتركا أصدره البلدان في أوائل فبراير عندما التقى الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، وشي جين بينغ، من الصين في بيجين أظهر أن الصين تقف وراء الحشد العسكري لبوتين حول أوكرانيا.
وقال كيربي: إن “دعمهم الضمني، إذا شئتم، لروسيا أمر مقلق للغاية، وبصراحة، أكثر زعزعة للاستقرار في الوضع الأمني في أوروبا”.
وفى الأسابيع الأخيرة تفاوضت الدولتان على عقد مدته 30 عاما لروسيا لتزويد الصين بالغاز من خلال خط أنابيب جديد، وعرقلوا طلبا من واشنطن بأن تفرض الأمم المتحدة عقوبات إضافية على كوريا الشمالية بسبب تجارب صاروخية جديدة رغم أن البلدين اتفقا على فرض عقوبات مماثلة من قبل.
ونقلت روسيا أعدادا كبيرة من القوات من سيبيريا إلى غربها، في إشارة إلى أن موسكو، في إطار استعدادها لغزو محتمل لأوكرانيا، تثق بالصين على طول حدودها المشتركة في الشرق.
بلغت “مغازلة البلدين” ذروتها مع البيان المشترك الذي يضم 5000 كلمة والذي قال إن شراكتهما “ليس لها حدود”، وهو ما يراه بعض مسؤولي إدارة بايدن نقطة تحول في العلاقات الصينية الروسية وتحديا “وقحا” للقوة الأمريكية والأوروبية.
ويعد هذا البيان الأول الذى تنضم فيه الصين صراحة إلى روسيا فى معارضة أي توسع آخر للناتو، ونددت الدولتان باستراتيجية واشنطن الهندية الباسفيكية وشراكة الأمن الجديدة بينهما، أوكوس، التي تضم بريطانيا واستراليا.
كما وصفت الدولتان تايوان بأنها “جزء لا يتجزأ من الصين”.
وأعلنت الصين وروسيا أنهما ستعملان مع دول أخرى من أجل “تعزيز الديمقراطية الحقيقية” ومواجهة الأيديولوجية والمؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة – أي بناء نظام عالمي جديد لا تواجه فيه الأنظمة الاستبدادية أي اعتراض، حسبما يقول مسؤولون أميركيون وأوروبيون.
وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية فى ميونخ السبت إنهم “يسعون إلى عهد جديد، كما يقولون، ليحلوا محل النظام الدولي الحالي”، مضيفة “إنهم يفضلون حكم الأقوى على سيادة القانون، والترهيب بدلا من تقرير المصير، والإكراه بدلا من التعاون”.
وقد يبشر تعزيز العلاقات الصينية الروسية بإعادة تشكيل مثلث القوة الذي حدد الحرب الباردة بعد خمسين عاما من زيارة الرئيس الأميركي الأسبق، ريتشارد نيكسون، قبل 50 عاما، عندما قام بزيارة تاريخية إلى بكين لتطبيع العلاقات الدبلوماسية.
وقد ساعد ذلك الولايات المتحدة والصين على موازنة الاتحاد السوفييتي، بعد أن انهارت العلاقات بين بكين وموسكو لسنوات بسبب قضايا الإيديولوجية والخلافات بشأن السياسة الخارجية.
لكن العكس هو ما يحدث الآن.
وقالت سوزان شيرك، رئيسة مركز الصين للقرن الحادي والعشرين في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، والمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية، “إنه أمر مقلق بالتأكيد، وهو ليس تطورا إيجابيا من وجهة نظر الأمن القومي الأميركي أو المصالح القومية الأميركية. وأضاف أن “لديهم نوع من المنظور المشترك حول الولايات المتحدة في الوقت الراهن، وهناك هذا التقارب بين القائدين”.
وقالت السيدة شيرك إنه ينبغي على الرئيس بايدن مع ذلك أن يحاول الانخراط في دبلوماسية مع نظيره الصيني لإقناعه بالعمل مع الولايات المتحدة بشأن الأزمة الأوكرانية التي أنشأتها روسيا.
وتقول الصحيفة إنه في حين أن الرئيس الصيني يقدر تحدي بوتين للولايات المتحدة، فإنه لا يريد عدم اليقين الاقتصادي الذي ستجلبه الحرب الأوروبية.
كما تصر الصين تقليديا على احترام سيادة كل دولة، كما أوضح وزير خارجيتها السبت.
وهناك حدود لما ستفعله الصين لمساعدة السيد بوتين إذا غزا أوكرانيا.
وبعد أن تفرض واشنطن عقوبات على روسيا، يمكن للشركات الصينية شراء المزيد من النفط والغاز من روسيا والمساعدة في سد بعض الثغرات التكنولوجية، ولكن من المحتمل أن تمتنع البنوك الصينية الكبرى المملوكة للدولة عن الانتهاكات العلنية للعقوبات خوفا من استبعادها من النظام المالي العالمي.
ويذكر أن اشتداد الصراع مع الصين وروسيا سيكون له شكل مختلف عن الحرب الباردة، فالاقتصاد التجاري الصيني متكامل بعمق مع اقتصاد الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، وروسيا مصدر مهم للطاقة إلى أوروبا.
ولأسباب عملية، لن تتمكن الحكومات الثلاث من منع التبادلات التجارية مع بعضها البعض بشكل كامل أو تشكيل كتل اقتصادية متميزة مع البلدان الشريكة، كما كان الحال في أيام الستار الحديدي.
المصدر: الحرة