الرئيسية / مقالات رأي / مقتل زعيم آخر لـ”داعش” ولن يطول الامر قبل أن يتكرر المشهد

مقتل زعيم آخر لـ”داعش” ولن يطول الامر قبل أن يتكرر المشهد

بقلم: بيل ترو – اندبندنت عربية

الشرق اليوم- كانت الغارة الأمريكية التي قضت على زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بداية شهر فبراير (شباط)، بمثابة مشهد مألوف تمت رؤيته من قبل، فقد قتل الخليفة الـ”داعشي” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، كما سلفه في عام 2019، في محافظة إدلب السورية، وهي جيب تسيطر عليه المعارضة في شمال غربي البلاد.

القرشي كان أيضاً مختبئاً مع أفراد أسرته في منزل مُحاذٍ للحدود التركية، يقع على طريق لا تبعد في الحقيقة أكثر من 15 كيلومتراً فقط عن آخر مخبأ لسلفه أبو بكر البغدادي. وقد حذا القرشي حذو البغدادي أيضاً باللجوء إلى تفجير نفسه تفادياً للوقوع في الاعتقال.

الأخبار بدأت تظهر في البداية على شكل تسريبات متواترة، قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن هو أيضاً الانتصار، وإن كان أسلوبه قد جاء أقل حدةً من سلفه دونالد ترامب الذي كان قد أعلن على نحو غير لائق أن البغدادي “مات ككلب… يئن ويصرخ ويبكي”.

لكن فيما كنت أحاول تكوين صورة عما حدث على الأرض، كان تفكيري الفوري يطرح السؤال الآتي: متى ستحصل مرة أخرى هنا غارة جديدة للقوات الخاصة على الزعيم المقبل لتنظيم “داعش”؟ وهل يمكن أن يكون هذا الأسلوب هو حقاً وسيلة فعالة لمحاربة الجماعة الإرهابية العالمية، في وقت يتم فيه ارتكاب كثير من الأخطاء الفادحة الأخرى؟

لكن توضيحاً للفكرة، يتعين القول إنه لا يمكن الشك أبداً في أن مقتل القرشي يعد ضربة لتنظيم “داعش”، الذي اضطر إلى إعادة بناء [تنظيم] نفسه بشكل مختلف تماماً منذ تلقي هزيمته الإقليمية عام 2019 على يد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

فالقرشي الذي تولى الخلافة قبل أقل من ثلاثة أعوام، لم يقدم، ربما بسبب مخاوف أمنية، على توزيع أي مقطع فيديو أو توجيه أي رسالة صوتية إلى هيكلية التنظيم. ويمثل هذا تغيراً كبيراً مقارنة بمقطع الفيديو المخيف للبغدادي، وهو يعلن تنصيب نفسه خليفةً من مسجد في الموصل. فالرجل ظل غير معروف نسبياً عند تتويجه، وبقي مجهولاً نسبياً عند وفاته.

وتثبت دراسات أن “قطع رؤوس” القيادات العليا لـ”داعش” يضر بالروح المعنوية للتنظيم، كما تقول إليزابيث تسوركوف الخبيرة في الشؤون السورية، والزميلة غير المقيمة في “معهد نيو لاينز” New Lines Institute (مركز أبحاث في واشنطن العاصمة، يعنى بتعزيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة). وتشير إلى أن هذا المنحى “يرسي وضعاً من الذعر والشك على مستوى القيادات التي يتم اختراقها، ويجعل من قدرتها على التحكم والسيطرة أكثر صعوبة، بحيث تصبح غير قادرة حتى على استخدام الإلكترونيات. وقد بلغ الأمر حد أن قتل هذا الرجل قبل أن يتمكن حتى من إنتاج أي مادة إعلامية. وكان خليفةً لفترة وجيزة”.

لكن تسوركوف ترى أنه من دون حدوث تحول شامل في الطريقة التي يتعامل بها العالم مع مشكلة “داعش”، فستواصل الجماعة تجنيد مقاتلين، والسيطرة على أشخاص يائسين في سوريا والعراق وخارجهما، وشن هجمات، وكسب مناطق لكن على نحو بطيء. قد لا يكون تنظيم “داعش” ما زال هو نفسه عام 2014 الذي اكتسح مساحات واسعة بسرعة فائقة، وانتزع السيطرة على آلاف الكيلومترات من الأراضي، لكنه بالتأكيد لم يهزم بعد، ولا يزال دموياً.

وقد تم إثبات ذلك قبل أسابيع فقط من مقتل القرشي، عندما عمد مقاتلو التنظيم إلى القيام بعملية اقتحام جماعي لسجن في منطقة شمال شرقي سوريا المجاورة، يسيطر عليه حلفاء رئيسون للولايات المتحدة في سوريا، هم “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد. وقد انتفض مئات داخل سجن غويران الذي يعد من أكبر منشآت احتجاز مقاتلين من هذا النوع، فيما هاجمه مئات من الخارج. وكان المسلحون الأكراد يحجتزون هناك نحو 700 يافع منهم أميركي وأسترالي. ودامت المواجهة نحو 10 أيام.

في النهاية، قتل أكثر من 380 مسلحاً و120 عنصراً من أفراد قوى الأمن التي يقودها الأكراد وحراس السجن، قبل أن تستعيد ميليشيات “قوات سوريا الديمقراطية” سيطرتها الكاملة على المنشأة. أما السؤال عن كيف تمكن “داعش” من تنظيم هجوم مذهل على هذا النحو؟ فيبقى الجواب عنه رهن التحقيق الجاري، لكن القوات التي يقودها الأكراد كانت قد حذرت باستمرار من تنامي عدد الخلايا النائمة لـ”داعش” في المنطقة، وقالت على وجه التحديد أن السجن المترامي الأطراف، الذي يوجد فيه أكثر من 3 آلاف شخص (بمن فيهم أفراد يحملون الجنسية البريطانية)، كان موضع استهداف.

إضافة إلى ذلك، فإنهم كانوا قد حذروا في الواقع قبل فترة طويلة، من أنهم لا يملكون الموارد اللازمة لمراقبة جميع مقاتلي “داعش” المشتبه فيهم، والبالغ عددهم 10 آلاف، وهم محتجزون الآن في نحو عشرين مرفقاً من مرافق الاحتجاز المخصصة لهم – بمن فيهم ألفا أجنبي رفضت بلدانهم الأصلية إعادتهم إليها. وقد تحدث الأكراد مراراً عدة عن مواجهتهم مصاعب في تأمين إيواء عشرات الآلاف من أفراد أسر “داعش” من أجانب وسوريين في مخيمي الهول والروج القريبين.

لكن على الرغم من هذه التحذيرات، لم تعد الدول مواطنيها إليها، في حين أن المملكة المتحدة عمدت بدلاً من ذلك، إلى تجريد عدد من المحتجزين من جنسيتهم البريطانية، تاركةً إياهم فعلاً يتعفنون في تلك البقعة غير المستقرة من بلاد مزقتها الحرب.

ولا تلوح في الأفق خطة شاملة أو مترابطة أو طويلة الأمد لمحاربة “داعش” في سوريا والعراق المجاور، حيث قام مسلحو تنظيم “الدولة الإسلامية” هناك، في الوقت نفسه الذي كان يجري فيه اقتحام سجن غويران، بذبح 11 عنصراً من أفراد الأجهزة الأمنية العراقية بينما كانوا نائمين.

وتشير إليزابيث تسوركوف الخبيرة في الشؤون السورية إلى أن عدداً من الرجال اليائسين في كلا البلدين، من الذين لم يجرِ دمجهم فعلياً في المجتمع، ما زالوا بالتالي أهدافاً سهلة للتجنيد أو إعادة التجنيد في صفوف “داعش”. وتتم في غضون ذلك، تنشئة جيل من الأطفال الموجودين في مرافق احتجاز بائسة، كمخيمي الهول وغويران، في ما باتت تعرف فعلياً باسم “معسكرات التلقين الجهادي”.

ويعمل “داعش” بشكل فعال على ترهيب سكان عدد من المناطق التي ينتشر فيها مسلحوه. ويتم إجبار المدنيين على دفع ضرائب للمجموعة، على شكل أموال حماية ورشاوى، فيما تحاذر العائلات هناك الخروج من المنازل بعد حلول الظلام.

وكي يتمكن التنظيم من السيطرة بشكل فاعل على تلك البقع من الأراضي وإعادة بنائها، فإنه لا يحتاج حتى إلى عمل معقد ومثير كالهروب من سجن غويران. وربما لن يكون حتى في حاجة إلى زعيم عام مهم بشكل خاص، لحشد القوى.

ولعل هذا هو السبب في أن النهج غير المتوازن في محاربة “داعش” – الذي يركز على شن غارات تفجيرية هدفها إحداث فراغ على مستوى القادة البارزين في التنظيم – لن يحقق نجاحاً. ولن نلبث أن نجد أنفسنا وقد عدنا إلى هذا المربع مرةً أخرى.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …