الرئيسية / مقالات رأي / “هدية” الغرب لبوتين

“هدية” الغرب لبوتين

الشرق اليوم- ربما لم يدرك استراتيجيو الولايات المتحدة وحلف “الناتو” أنهم قدموا “هدية” على طبق من ذهب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما أثاروا الزوابع السياسية والعسكرية حول أزمة أوكرانيا، ونشروا دخاناً كثيفاً للتغطية على أهدافهم بالتهويل على روسيا بالعقوبات وإرسال الأسلحة والقوات إلى أوكرانيا، ومن ثم تحديد “ساعة الصفر” لغزو روسي لكييف.

اغتنم بوتين الفرصة كي يقلب الطاولة ويطرح شروطه الأمنية التي كانت دائماً مصدر قلق لبلاده، واستخدمها رافعة لتحقيق هدف راود خياله منذ توليه السلطة في روسيا خلفاً لبوريس يلتسين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، من أجل استعادة الدور والمكانة اللتين افتقدتهما بلاده، بعد تربع الولايات المتحدة على عرش النظام الدولي منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.

في حسابات بوتين ضابط ال”كي جي بي” السابق، العارف بدهاليز المخابرات والمتابع لسياسات الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، أن التحالف الغربي لم يعد قادراً على اتخاذ موقف موحد، إضافة إلى الشكوك التي تعمقت جراء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ومن قبل في العراق،. كما أن الولايات المتحدة تواجه انقساماً داخلياً حاداً،  يجمع عليه معظم الخبراء والمحللين الأمريكيين.

وبينما كان بوتين يتابع كل ذلك، ويراقب السلوك السياسي الأمريكي المتمثل في ممارسة سياسة عقوبات أثبتت فشلها، في محاولة من البيت الأبيض للبقاء على قمة النظام الدولي والحؤول دون مشاركة الآخرين فيه، وتحديداً بلاده والصين، فإنه كان يعمل بجهد لاستعادة قوة روسيا العسكرية من خلال تجديد ترسانتها الحربية، وتوسيع علاقات بلاده الاقتصادية مع مختلف دول العالم، وبناء علاقات استراتيجية معها، وإقامة تحالفات عسكرية مع الصين باعتبارهما البلدين المستهدفين من واشنطن، واللذين يسعيان إلى المشاركة في نظام دولي جديد.

لذلك كان بوتين يعرف تماماً أن كل التهويل والتهديد الذي واجهته بلاده مؤخراً، مجرد “قنابل صوتية” لإخافته وحمله على التراجع والقبول بالأمر الواقع الذي تريده واشنطن وحلف “الناتو”، بوجود الحلف على تخوم بلاده مع قوات أطلسية؛ أي أن بلاده باتت محاصرة ولا بديل أمامه إلا الاستسلام.

لكن بما أن قضية الأمن بالنسبة لروسيا من المحرمات التي لا يجوز المساس بها، فقد عمد بوتين إلى الإمساك بهذه اللحظة كي يقلب المعادلة الغربية، ويخوض حرب الأعصاب بشروطه؛ لأنه يدرك تماماً أن خطوة الاندفاع من “حافة الهاوية” إلى الهاوية، هي مغامرة بالغة التكلفة والخطورة، وليس بمقدور أحد دفع تكلفتها.

يمكن القول حتى الآن، إن بوتين بدأ يحصد نتائج سياسة واشنطن، بعدما طرح شروطه الأمنية على الطاولة، بأن الأمن الأوروبي المتوازن هو شرط للسلام والاستقرار في أوروبا والعالم. ولهذا بدأ قادة أوروبا يطرقون أبواب الكرملين بحثاً عن حل يجنب قارتهم الأسوأ.

ولكن أمريكا بكل تأكيد لن تستسلم وستحاول بكل ما تملك الحفاظ على مكانتها فوق عرش النظام الدولي.

المصدر: صحيفة الخليج

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …