الرئيسية / مقالات رأي / حرب الأعصاب المطلوبة مع روسيا

حرب الأعصاب المطلوبة مع روسيا

بقلم: فاروق يوسف – العرب اللندنية 

الشرق اليوم – يستحسن البعض أن يوصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأحمق لأسباب مختلفة، ليس من بينها أنه ارتكب عبر سنوات حكمه خطأً دفعت روسيا أو الشعب الروسي ثمنه. فالرجل أظهر قوة استثنائية في مواجهة مهمة اعتبرها الكثيرون مستحيلة. لقد أنقذ دولة عظمى من إمكانية أن تتحول إلى ذكرى. كانت روسيا في طريقها إلى أن تصبح هشيما تتولى المافيات مهمة تصريف شؤونه.

كان الغرب بعد انتصاره في الحرب الباردة يخطط لإبقاء روسيا دولة عظمى، ولكن على الورق وفي أروقة الأمم المتحدة. أما اللغة الروسية التي لا يزال يرطن بها كبار السن في الجمهوريات السوفييتية السابقة فإنها لن تعين الأجيال الحالية على التعرف على ماضٍ، كانت الاشتراكية فيه عنوانا لرفاهية من نوع مختلف. لقد زحفت دول حلف وارسو لتُقبل عضويتها في حلف الناتو وها هي أوكرانيا التي كانت الروسية فيها لغة رسمية تلتحق بهم.

لن أتحدث بعد ثلاثين سنة من انهيار دولة السوفييت عن خيانة اللغة. بوتين يقرأ المستجدات بطريقة لا تخلو من العمق التاريخي. فحين كانت دولة السوفييت حية ولم ينم زعماؤها كان هناك ما يُسمى بـ”توازن الرعب” وإذا ما نحينا مفردة “الرعب” جانبا فإن التوازن كان ضروريا بالنسبة إلى جزء كبير من العالم.

حلمَ بوتين بأن يعيد العالم إلى ذلك التوازن، لكنه وجد أن ذلك التوازن لن يتحقق إلا إذا كان مصحوبا بالرعب. فالغرب لا يرغب بأن يرى روسيا قوية ومسالمة في الوقت نفسه. لا يريدها قوية من غير حرب باردة يستعيد من خلالها أجواء الدعايات الملتهبة التي يمكن من خلالها تمرير الكثير من الأحداث التي لا يرغب صانعوها في أن تكون علنية.

صحيح أن بوتين أعاد إلى روسيا شيئا من هيبتها القديمة لكن الصحيح أيضا أن الغرب يحتاج إلى روسيا عدوا بما أنه في حاجة ماسة إلى الصين التي صارت مصنع العالم. روسيا ليست كذلك. يمكن لروسيا أن تكون مهمة بالنسبة إلى أوروبا في مسألة التدفئة، حيث يشكل الغاز الروسي عنصرا أساسيا في تلك المسألة. غير ذلك لا شيء تعنيه روسيا سوى ذلك الشبح الشيوعي الذي يهدد باختطاف العالم. وبالرغم من أن روسيا اليوم لا تذكر بروسيا الأمس على الإطلاق فلا أثر للعقيدة فإن بوتين يتصرف كما لو أنه زعيم مستعار من الحقبة السوفييتية.

ضابط الكي جي بي السابق كان قد تتلمذ على يد يوري أندروبوف وهو أحد زعماء الحزب الشيوعي. ذلك ما يجعله متشبثا بالماضي من غير أن يشهر عن ذلك باعتباره سلاحا عقائديا. ولكن حرب بوتين على الغرب ليست نوعا من القطيعة النهائية. هناك حوار، ربما بالغ بوتين في المسافة التي تفصل بين طرفيه حين اختار طاولة بعرض ستة أمتار تفصله عن ضيفه الفرنسي ماكرون ولكنه حوار لا يزال وسيظل قائما بالرغم من تعقيده ومنغصاته.

وإذا ما خضنا عميقا في شخصية الرئيس الروسي فإن تجربة الغرب معه لم تكن ناجحة. لا أحد تمكن من التعرف على ردود أفعاله من خلال تعبير وجهه. لا يرغب بوتين في أن يقدم تنازلات إلى الغرب الذي يعرف أنه لا يريد سوى روسيا باعتبارها عدوا استعراضيا. فالغرب يرغب بعالم ذي قطبين لكن روسيا فيه لن تكون قوية. المسرحية ضرورية لكن ليس بأبطال حقيقيين.

لذلك يمكن النظر إلى ما يفعله بوتين من جهة أنه يمثل الموقف المناهض للغرب من جهة كونه قوة استعمارية. لا يشهر بوتين عن أفكاره الحقيقية غير أن ما فعله في سوريا يؤكد أنه فهم اللعبة جيدا. مناطق النفوذ الروسي هي خط أحمر. ذلك في سوريا البعيدة كثيرا عن روسيا فكيف إذا كان الأمر يتعلق بأوكرانيا جارة روسيا والجمهورية السابقة في دولة السوفييت. كان اختبارا فاشلا. لا يحتاج البعض ممَن يعتبر سلوك بوتين إزاء أوكرانيا حماقة إلى دليل. سوريا كانت بعيدة فيما أوكرانيا قريبة غير أن الأمر يتعلق بالمصالح ولا علاقة له بالعقائد.

لقد خيّر بوتين الغرب بين الضم أو الغزو. كلاهما يحتمان تغييرا للخرائط غير مستحب. بالنسبة إلى الغرب فإنه لن يفعل شيئا في الحالين. علينا أن نصدق أن حربا نووية لن تقع. لكن الحرب الحقيقية قد وقعت وهي حرب الأعصاب. تلك حرب مطلوبة بالنسبة إلى الغرب.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …