بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – لو تخيلنا أن المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، وليس المستشار الحالي أولاف شولتس، هي التي كانت تقف في البيت الأبيض إلى جانب الرئيس الأميركي جو بايدن في 7 شباط (فبراير) الجاري، عندما هدد الأخير بـ”إنهاء” خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم-2” في حال غزت روسيا أوكرانيا، فبماذا كان يمكن أن تجيب، عوض الصمت الذي لاذ به شولتس.
على رغم أن السؤال افتراضي وتالياً لا يمكن الحسم بأي نوع من الإجابات الدقيقة، فإن مجرد الغاية من طرحه، هي تسليط الضوء على الفارق بين شخصيتي ميركل وشولتس.
ومنذ بدأت الأخبار تتوالى عن الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا، سرت موجة من التشكيك بما سيكون عليه الموقف الألماني، وقيل في الصحافة الأميركية وبألسنة المعلقين، إن ألمانيا هي نقطة الضعف في وحدة الصف الغربي في مواجهة الخطط الروسية لغزو أوكرانيا، وأن الكرملين متشجع ببرلين وترددها في إعلاء الصوت ضد “العدوان” الروسي والتهديد بإغلاق أنبوب “نورد ستريم-2” (أصلاً الأنبوب لم يوضع قيد العمل على رغم إنجازه في كانون الأول / ديسمبر الماضي بسبب مسائل قانونية ألمانية داخلية)، فضلاً عن عدم مسارعة ألمانيا إلى إرسال السلاح إلى كييف على غرار ما فعلت أميركا وبريطانيا وأستونيا وكندا وأستراليا. وهناك في الولايات المتحدة وبريطانيا، من بدأ يلوم شولتس على سماحه للمستشار الألماني سابقاً غيرهارد شرودر بالعمل في قطاع الغاز الروسي.
ربما تكون هذه الحملة ساهمت في جعل شولتس مقيداً في التعبير عن وجهة النظر الألمانية الحقيقية من المسألة الأوكرانية. في عام 2008 وأثناء قمة حلف شمال الأطلسي في بوخارست، عارضت ميركل ومعها الرئيس الفرنسي عام ذاك نيكولا ساركوزي، الدعوة التي وجهها الرئيس الأميركي عام ذاك جورج دبليو. بوش إلى أوكرانيا وجورجيا إلى الانضمام إلى الحلف.
فرنسا وألمانيا هما أدرى بما يعنيه انضمام أوكرانيا أو جورجيا إلى الأطلسي، بالنسبة إلى روسيا. وفي الأزمة الحالية وعلى رغم التصريحات الفرنسية والألمانية التي تشدد على أن حق أوكرانيا بالانضمام إلى الأطلسي هو “حق سيادي” أوكراني ولا يحق لروسيا أن تضع فيتو عليه، فإن لا باريس ولا برلين تريدان أن تنفجر حرب أخرى في أوروبا، عنوانها ضم كييف إلى الحلف الغربي، الذي لن يزداد، في أي حالٍ من الأحوال، قوة ومنعة، بعضوية أوكرانيا، وإنما سيفتح الطريق نحو مواجهة كبرى مع روسيا، لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه من كوارث بشرية واقتصادية، بينما القارة لم تتعافَ بعد من الانعكاسات السلبية لوباء كورونا.
خلال زيارتي شولتس ومن قبله ماكرون موسكو ولقائهما بوتين، لم يفسح الموقف الأميركي المتصاعد، فرصة حقيقية للدبلوماسية الفرنسية أو الألمانية، بل كان المسؤولون في واشنطن يتكهنون بساعة الصفر للغزو، ما أفقد الجهود الدبلوماسية لباريس وبرلين، الكثير من زخمها.
لدى فرنسا وألمانيا رغبة في العودة إلى إحياء إتفاقات مينسك أو ما يعرف بـ”مجموعة النورماندي” التي تضم باريس وبرلين وموسكو وكييف. لكن المسؤولين الأميركيين قلما يأتون على ذكر هذه المسألة، التي يمكن أن تنزع فتيل الأزمة في حال تطبيقها. وهذا ما يجعل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يعول كثيراً على مثل هذا الحل، ويذهب في مماشاة سياسة التصعيد، ويغتبط لمشاهد طائرات النقل العسكرية الأميركية والبريطانية التي تحمل السلاح إلى المطارات الأوكرانية.
لا يلام شولتس على تردده ولا يمكن أي زعيم أوروبي أن يعلي صوته فوق صوت الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي وجد في الأزمة الأوكرانية فرصته كي يقول للأوروبيين، إن شيئاً لم يتغير منذ عام 1945. أميركا لا تزال الحامي الوحيد لأوروبا، وأن من المبكر البحث عن صيغ أوروبية “مستقلة” للدفاع عن القارة ومصالحها.