الرئيسية / مقالات رأي / صراع جديد على السلطة في ليبيا

صراع جديد على السلطة في ليبيا

بقلم: محمد السعيد إدريس – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- بتسمية مجلس النواب الليبي وزير الداخلية السابق في “حكومة الوفاق” السابقة، فتحي باشاغا، رئيساً لحكومة جديدة في ليبيا، معلناً انتهاء شرعية الحكومة الحالية “حكومة الوحدة الوطنية” التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، دخلت ليبيا مجدداً معترك الصراع والانقسام السياسي بين حكومتين وجيشين، وأعداد كبيرة من الميليشيات المتصارعة والممولة من الأطراف المتصارعة.

 فالسيناريو الأكثر ترجيحاً الآن، وفقاً لتداعيات هذا التطور الجديد في الأزمة، هو العودة بالبلاد مجدداً إلى التقسيم الإداري بين حكومتين متوازيتين، لكنها عودة فادحة وأشد وطأة، لأن الحكومتين لن تقيما في مدينتين مختلفتين واحدة في الشرق (بنغازي)، والأخرى في الغرب (طرابلس)، بل إن مقر الحكومتين سيكون في طرابلس، ويفاقم من فداحة الموقف أن فتحي باشاغا الذي يعرف ب”رئيس الحكومة المكلف” هو ابن مدينة مصراتة غربي ليبيا التي ينتمى إليها عبدالحميد الدبيبة، ولكل منهما ميليشياته التي تنتمي أيضاً إلى المنطقة نفسها، ما يعني أن الصراع، في حال استمرار الانقسام على ما هو عليه من دون حل، سيكون شديد الوطأة وسيعرقل فرص إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المأمولة والتي يعوّل عليها الجميع لإنهاء الأزمة الليبية.

 ويرجع سبب تفجر الصراع إلى أمرين؛ أولهما يتعلق برفض الدبيبة قرار مجلس النواب انتخاب رئيس حكومة جديد، وتأكيده أنه لا يزال يمارس عمله وفق مدد خارطة الطريق المحددة ب 18 شهراً (بدأت في مارس/ آذار 2021 ما يعني أنها تنتهي في يونيو/ حزيران 2022)، مؤكداً أن حكومته “لن تسلم السلطة إلا لجهة منتخبة”، وأن المجلس الرئاسي الليبي (وليس البرلمان) هو “صاحب الاختصاص في تغيير رئيس الحكومة”.

 أما الأمر الثاني، فهو الموقف الدولي غير الحاسم إزاء رفض أو قبول قرار مجلس النواب نزع شرعية حكومة “الوحدة الوطنية” التي يترأسها الدبيبة، واختيار رئيس جديد للحكومة. هذا الموقف الدولي غير الحاسم يبدو أقرب إلى دعم بقاء حكومة الدبيبة، ما يعنى إعطاء ضوء أخضر لتفجر أزمة الانقسام السياسي، وهو الموقف نفسه الذي وقفته الأطراف الدولية خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا عندما تعثرت عملية إجراء الانتخابات الرئاسية.

 ورغم إجماع القوى الدولية المشاركة في مؤتمر باريس على “معاقبة” من سيعرقلون المسيرة الديمقراطية، لم يتحرك أحد ضد هؤلاء المعرقلين، وجاء تصريح السفير الأمريكي في طرابلس ليبرر تصرفات هؤلاء المعرقلين، ويعطيهم أضواء خضراء للمضي في مشروعهم. فقد تحدث السفير الأمريكي عن وجود بدائل أخرى للانتخابات، ما يعني موافقة ضمنية على تأجيل الانتخابات.

 ما حدث قبيل، وفي أعقاب إفشال إجراء الانتخابات الرئاسية، يتجدد مرة أخرى من القوى الدولية نفسها بعد اختيار مجلس النواب الليبي لرئيس حكومة جديد ورفض الدبيبة التنحي عن رئاسة الحكومة الحالية. فقد أعلن ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة (10/2/2022) أن المنظمة الدولية “لا تزال تدعم عبد الحميد الدبيبة بوصفه رئيساً للوزراء في ليبيا”.

 جاء ذلك في مؤتمره الصحفي اليومي عندما سُئل عما إذا كانت الأمم المتحدة لا تزال تعترف بالدبيبة رئيساً للوزراء فأجاب قائلاً: “نعم”.  وبعد أن أخذ الأمين العام للأمم المتحدة علماً بتكليف فتحي باشاغا، رئيساً جديداً للحكومة، عدل المتحدث باسم الأمم المتحدة الموقف جزئياً وأخذ موقفاً محايداً بقوله “يتوجب مواصلة التركيز على إجراء انتخابات وطنية نزيهة وشاملة في أقرب وقت ممكن”.

 الموقف ذاته اتخذته مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، ستيفانى ويليامز، بلقائها مع كل من الدبيبة وباشاغا، أي رئيسي الحكومة “المقالة” الرافض للتنحي، ورئيس الحكومة المكلف، واكتفت بدعوتهما إلى “الحفاظ على الاستقرار” في البلاد، من دون أن تتخذ موقفاً من الصراع الجاري بينهما حول منصب رئيس الحكومة.

 اللافت الآن أن الدبيبة الذي عرقل وميليشياته إجراء الانتخابات الرئاسية هو من يتزعم الآن ضرورة إجراء تلك الانتخابات لقطع الطريق أمام الطرف الآخر الذي اختار رئيساً جديداً للحكومة، بما قد يحمله ذلك من مؤشرات تدعم فرص “مرحلة انتقالية جديدة”. فقد أعلن الدبيبة عن خطة جديدة لإجراء الانتخابات أعطاها اسم “خطة عودة الأمانة للشعب” قال إنه سيعلن عن تفاصيلها من إجراءات قانونية وتنظيمية لاحقاً، موضحاً أن ذلك سيتضمن موعداً لإجراء الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور. كما اعتبر الدبيبة أن ما قام به مجلس النواب (تكليف رئيس جديد للحكومة) “عبث وتزوير وتدليس”، وهاجم ما وصفها ب”الطبقة السياسية التي سيطرت على البلاد”، وقال إنها “تدرك خطر الانتخابات وتفتعل الحروب لتمدد لنفسها”.

 هكذا تتحول المعارك ضمن صراع ممتد لم يعد أحد يعرف لا متى، ولا كيف يمكن أن ينتهي. فأصحاب المصالح من الليبيين يحققون المكاسب من استمرارهم في السلطة ما يجعلهم يتشبثون بها، ويجدون من يدعمهم من الخارج فيتحمسون لصراعاتهم، والشعب الليبي هو من يدفع أثمان تلك الصراعات وهو يتابع مجدداً دائرة الصراع الجديدة على السلطة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …