بقلم: د. محمد العسومي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – حسمت أسواق النفط خياراتها باتجاه الاحتمال الثاني الذي أشرنا إليه هنا قبل شهر تقريباً، حيث تجاهلت التفاهمات غير الرسمية بين دول «أوبك+» والولايات المتحدة للإبقاء على سعر يتراوح بين 70 و75 دولاراً للبرميل، إذ كانت لعوامل السوق، وبالأخص الطلب القوي والتوترات الجيوسياسية، بالإضافة إلى المضاربات، القولُ الفصلُ في تحديد اتجاه الأسعار والذي أوصل سعر البرميل 96 دولاراً بداية الأسبوع الجاري.
ما يهم الآن هو تحديد الاحتمالات الخاصة بالأشهر القادمة، فالطلب يتزايد نتيجةً للانتعاش الاقتصادي العالمي، بالتزامن مع التخوفات الناجمة عن التطورات السياسية، وبالأخص الأزمة الأوكرانية، إذ يقابل ذلك وجود طاقة إنتاجية محدودة نسبياً عند دول «أوبك»، والتي يمكنها أن تساعد في وقف جماح ارتفاع الأسعار، علماً بأنها لم تتخذ قراراً بشأن ذلك حتى الآن، إذ قررت في اجتماعها الأخير بداية الشهر الجاري زيادةَ الإنتاج وفق الاتفاق السابق بمقدار 400 ألف برميل يومياً لشهر مارس القادم، حيث يؤكد ذلك قناعتَها بأن مستوى الأسعار لا يستدعي تدخلَها رغم تجاوز سعر البرميل 90 دولاراً.
لذلك يبدو أن مجموعة «أوبك+» ليست في عجلة من أمرها، ففي كل الأحوال ستنتهي المدة الزمنية للاتفاق في شهر أبريل القادم، مما قد يستدعي إعادة توزيع الحصص، خصوصاً وأن بعض الدول الأعضاء التي تملك طاقة إنتاجية فائضة تطالب بزيادة حصتها، وهو أمر متوقع في ظل مستويات العرض والطلب في الأسواق.
أما إذا ما تجاوز سعر البرميل 100 دولار، فهناك احتمال بأن يتم اتخاذ مثل هذه الخطوة في أي وقت. ومن جانب آخر يدور الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق في فيينا حول برنامج إيران النووي، وذلك بتلبية الشروط الإيرانية أو معظمها دون حفظ ماء الوجه لواشنطن التي وافقت على فصل البرنامج النووي عن بقية الأنشطة العسكرية والتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو ما يعني عودةَ النفط الإيراني للأسواق الدولية. والحقيقة أن النفط الإيراني متواجد في الأسواق من الناحية العملية وسوف لن يكون لذلك تأثيرات ذات أهمية كبيرة في مستويات العرض في أسواق النفط والتي تحسّبت لهذه العودة منذ دخول إدارة بايدن البيتَ الأبيض بداية العام الماضي.
فإنتاج النفط الإيراني يبلغ 2.5 مليون برميل يومياً، نزولاً من أربعة ملايين قبل العقوبات، يستهلك منها 1.9 مليون برميل داخلياً ويُصدّر نحو 600 ألف برميل، معظمها للصين التي تستورد 340 ألف برميل بخصومات كبيرة وفي إطار المقايضة بسلع ومنتجات استهلاكية. مما يعني أن ما يمكن أن تضيفه إيران للأسواق يتطلب زيادةَ طاقتها الإنتاجية، إذ لن يتجاوز نصف مليون برميل في أفضل الأحوال على المدى القصير، وهو ما يمكن للأسواق امتصاص تأثيره بسرعة بسبب التنامي الكبير في الطلب المرافق للمزيد من الانفتاحات للأنشطة الاقتصادية في كافة بلدان العالم. ومع ذلك، فإن موضوع النفط الإيراني سوف يشكل فرصة مثالية للمضاربين والذين سيستغلونه لتحقيق أرباح كبيرة من خلال التلاعب بالأسعار هبوطاً وارتفاعاً. وبالعودة للحديث عن اجتماع دول «أوبك+» في شهر أبريل القادم، فإنه من الأهمية بمكان أن تتخذ هذه الدول قرارات تساهم في المحافظة على أسعار مرتفعة وأن تسعى إلى التغلب على أية تفاوتات قد تطرأ نتيجة لبعض التغيرات التي قد تشهدها الأسواق نتيجةً لعدد من العوامل المتوقعة.
لذلك، فإن المسار التصاعدي لأسعار النفط يمكن أن يستمر خلال العام الجاري مع بعض التقلبات التي لا تخلو منها الأسواق، وهو ما يعني توفر قدرات مالية ضخمة للبلدان المنتجة للنفط، ستؤدي بمعظمها ليس فقط إلى التجاوز التام لعجوزات الموازنات السنوية، وإنما إلى تحقيق فوائض كبيرة، مما سينعش اقتصادياتِها ويساهم في تنفيذ المزيد من المشاريع التنموية الرامية إلى تنوع هذه الاقتصادات، حيث بدأت بوادر مثل هذا التوجه بارزةً في بعض البلدان، وبالأخص في دول مجلس التعاون الخليجي.