بقلم: رامي الخليفة العلي – صحيفة “عكاظ”
الشرق اليوم – في تطور هو الأخطر منذ نهاية الحرب الباردة في تسعينات القرن الماضي، تصاعد التوتر بين الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والاتحاد الروسي من جهة أخرى، حتى عاد الحديث مرة أخرى عن احتمالات اندلاع حرب عالمية ثالثة، ليس على لسان محللين ومراقبين وحسب وإنما على لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن عندما حذر من هذا الاحتمال إذا حدث هناك صدام روسي ـ أمريكي.
وإذا ما حاولنا تفكيك الأزمة الحالية يمكن أن نلاحظ أن روسيا وصلت إلى النقطة التي عادت من خلالها لتكون قوة عالمية، على الجميع أن يحسب حسابها في أي توازن إقليمي أو دولي، بعد أن تجرعت على امتداد العقود الثلاثة الماضية مرارة الهزيمة التي لحقت بقوتها وموقعها بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي والذي مثّل نهاية الحرب الباردة، هذا السقوط أجبر الدب الروسي على الدخول في سبات عكف من خلاله على استعادة قوته وبناء فضائه الجيوسياسي، وما كان مقبولا خلال العقود الماضية لم يعد كذلك في ذروة قوة القيصر الروسي داخليا وخارجيا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبر نفسه مدافعا عن حمى روسيا وفضائها ومحدداتها لأمنها القومي. في تسعينات القرن الماضي كان هناك تعهد غربي وأمريكي على وجه التحديد بعدم تمدد حلف شمال الأطلسي الناتو إلى الشرق بحيث يصل إلى الحدود الروسية، ولكن الناتو نكث بوعده عندما ضم استونيا ولاتفيا وليتوانيا، وروسيا بوتين لم تتقبل ذلك واعتبرت أن أي تمدد آخر سوف يمثل تهديدا متعاظما يصل إلى إمكانية استهداف العاصمة الروسية، لا بل إن موقف روسيا الحالي من وجهة نظرها يشبه موقف الولايات المتحدة الأمريكية في ستينات القرن الماضي عندما اعتبرت نصب صواريخ سوفيتية في كوبا إعلان حرب ضدها.
نحن أمام معضلة أساسية تتفرع عنها أزمتان: المعضلة الأساسية هي الترتيبات الأمنية والضمانات التي تطالب بها روسيا، وهي تتعلق بقضايا أمنية وعسكرية منها على سبيل المثال لا الحصر، تموقع الصواريخ التابعة لحلف شمال الأطلسي ومدى قربها من الحدود الروسية، وبعض الأنباء تشير إلى أن موسكو طالبت بأن تبتعد قوات الناتو مسافة لا تقل عن 800 كم عن حدودها، وهناك بالطبع ترتيبات أمنية أخرى، أما القضية المرتبطة بتلك الترتيبات فهي انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي وهذا خط أحمر بالنسبة لروسيا ولا أعتقد أنها سوف تسمح به. أما المسألة الثالثة فهي متعلقة بالأزمة بين كييف وموسكو سواء حول شبه جزيرة القرم أو شرق أوكرانيا وتحديدا إقليم دونباس.
التحركات الروسية العسكرية أثمرت انفتاحا غربيا وأمريكيا على مناقشة الترتيبات الأمنية التي تطالب بها موسكو، وبالفعل هناك ما يشي بأن المواقف المتباعدة تقاربت خلال الساعات الماضية بالرغم من النبرة العالية. ولكن بمطلق الأحوال فإن احتمال الحرب العالمية الثالثة بعيد للغاية، حتى في حال غزو روسيا لأوكرانيا كما يحذر الغرب فإن أقصى ما يمكن أن يفعله الغرب هي عقوبات اقتصادية ومساعدة عسكرية للجانب الأوكراني تصعب مهمة الجانب الروسي، وحتى هذا الاحتمال ليس كبيرا لأن تكلفته على روسيا سوف تكون باهظة، أقصى ما يمكن أن يحدث هو مساعدة روسية للمتمردين في شرق أوكرانيا. بغض النظر عن كيفية نهاية الأزمة الحالية فإن ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية يثبت أن السلم العالمي هش، ولعل هذا يدفع الفاعلين الدوليين إلى التفكير في وضع قواعد جديدة للأمن والسلم الدوليين.