بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – أظهرت قمةُ الرئيسين بوتين وشي بينغ في بكين قبلَ أيامٍ المدى الذي بلغه تطورُ العلاقات بين بلديهما.
ولهذا تزدادُ أهميةُ السؤال عما إذا كان هذا التطورُ يُنشئُ تحالفاً بالمعنى الواسع، أم يدلُ على مستوى مرتفع من التعاون ينطوي على نوع من الشراكة في المصالح؟ السؤال مطروح، بل يُجاب عنه أحياناً بما يُفيدُ أن تحالفاً روسياً صينياً قائمٌ بالفعل، كما ورد في تعليقات كثيرة على القمة الأخيرة.
غير أن التحالفات من الناحية المنهجية لا تَحدُثُ تلقائياً في مجرى تطور كبير في العلاقات بين طرفين أو أكثر، أو كمحصلة لهذا التطور. التحالف فعل إرادي، بل أحد أهم الأفعال التي تقومُ بها الدولُ، فضلاً عن أنه من أبرز أنماط العلاقات الدولية. ولهذا ربما يتعذّر الحديثُ عن تحالف لا يُبرمه طرفاه، ويُوقعا وثيقتَه التي تختلفُ عن اتفاقاتِ تعاونٍ وُقعت في قمة بكين الأخيرة.
وبخلافِ هذه الاتفاقات وما سبقها، يَجمعُ بين الصين وروسيا اتفاقٌ مضى عليه أكثر من عقدين، وهو معاهدةُ حسنُ الجوار والصداقة والتعاون التي مُددت للمرة الرابعة في مطلع العام الماضي. وهذه معاهدةُ تعاون وليست تحالفاً. ومُهمُ في هذا السياق تذكرُ أن الصينَ ما تزال ملتزمةً بسياستها المُعلنة عام 2000، والتي تقوم على عدم مجاراة الغرب في بناء تحالفات.
غير أن مَن وضعَ هذه السياسةَ يستطيعُ تغييرَها في أي وقت. لكن ما لا يمكنُ تغييرهُ بقرار هو محدوديةُ القواسم المشتركة بين الدولتين، وارتباط تنامى علاقاتهما بمواجهة طرف ثالث يَعتبرهما عدوتين. وهذا هو الفرقُ الأساسيُ بين العلاقة الروسية الصينية الراهنةِ، وكلٍ من التحالف الغربي الذي يُعد حلفُ «الناتو» جزءاً صغيراً فيه، والتحالف «الشرقي» السوفييتي الذي كان أكبرَ بكثيرٍ أيضاً من حلف وارسو. يقومُ التحالفُ الغربيُ المُستمرُ حتى الآن، كما كان الحالُ في التحالف «الشرقي» الذي انتهى عام 1990، على نموذج متكامل في السياسة والمجتمع والثقافة والقيم وأنماط الحياة. وهذا هو ما تفتقرُ الصينُ وروسيا إلى مثله.
تسعى الصينُ الآن إلى تطوير نموذج جديد يتطلعُ قادتُها لأن يكونَ جاذباً لغيرها، ومنافساً للنموذجِ الغربيِ، وعنواناً تُدرج تحتَه جوانبُ قوتِها الناعمة التي حققت تقدماً فيها. وتبدو أزمةُ الديمقراطيةِ التمثيليةِ، التي تُعدُ أحدَ مكوناتِ هذا النموذجِ الغربيِ مشجعةً للصين على المضي قدماً في سعيها إلى تطوير نموذجها.
وفي المقابل، لا تحظى مسألةُ النموذجِ باهتمام يُذكرُ في موسكو، بخلافِ الاتحاد السوفييتي السابق. وما زال الروسُ بعيدين عن امتلاكِ قدرات يُعتدُ بها في مجالات التكنولوجيا الأكثر تقدماً، والتي طرقت الصينُ أبوابَها بقوة. ولذلك تستطيعُ الصين وروسيا أن تتعاونا إلى أقصى مدى. ويمكنُ لهذا التعاون أن يُغيرَ في موازينِ القوى الدولية بدرجة أو درجات. لكن ما يجمعُهما لا يكفي بعد لبناء تحالف بالمعنى المتكامل حتى إذا أعادت بكينُ النظرَ في سياسة الامتناع عن إقامةِ تحالفات.