بقلم: يوسف مكي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- كان من المتوقع أن يؤدي إجراء المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي بايدن، والرئيس الروسي بوتين، التي استغرقت قرابة ساعة، إلى خفض حالة التوتر الذي تصاعد بين البلدين، في الأيام الأخيرة، على خلفية الأزمة الأوكرانية. وكان لهذا الوقع ما يبرره، حيث أفادت وكالات الأنباء بأن الحوار بين الرئيسين كان هادئاً. لكن ما تواتر لاحقاً من أنباء أكد أن حديث الرئيس بايدن حمل تهديداً واضحاً لروسيا، بأنها ستواجه عقوبات وخيمة، حال إقدام جيشها على غزو أوكرانيا، وأن الرد سيكون حاسماً وسريعاً. لكن بايدن، من جهة أخرى، أبلغ نظيره الروسي، استعداد بلاده للدخول في مفاوضات من أجل التوصل إلى حلول سلمية للأزمة.
أنظار العالم بأسره، تتوجه نحو الصراع الدائر بين أمريكا وروسيا، والذي كان التقدير أنه بات من الماضي، منذ مطالع التسعينات من القرن الماضي. وما تشهده الساحة الدولية يعيد إلى الأذهان صوراً طواها النسيان، منذ أسدل الستار على الحرب الباردة. أكثر من ثلاثين دولة، معظمها متحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، تسحب بعثاتها الدبلوماسية من أوكرانيا. والرئيس الأمريكي يدعو الأمريكيين إلى المغادرة الفورية من الأراضي الأوكرانية.
والأنكى من ذلك، ما أعلنته روسيا، من تسلل غواصة أمريكية إلى مياهها الإقليمية، وطلب روسيا مغادرتها ورفضها الاستجابة، إلى أن تم استخدام الوسائل المناسبة، “بحسب التعبير الروسي”، لإجبارها على المغادرة. ومن وجهة النظر الروسية، فإن هذا التسلل هو تسعير آخر، لحالة التوتر السائدة، للخلافات بين البلدين.
وعلى الجانب الأوكراني، يتصاعد الخوف والهلع من احتمالات الغزو الروسي، بعد تسرب معلومات تفيد بأن روسيا قررت اجتياح أوكرانيا، في السادس عشر من هذا الشهر. وفي مواجهة كل الاحتمالات، وجهت الحكومة الأوكرانية بإجراء تدريبات واسعة على حمل السلاح، لمواطنيها من المدنيين، استعداداً لمواجهة أي غزو روسي. ويندفع الآلاف من الشباب الأوكرانيين، للتطوع في الجيش الشعبي، للدفاع عن الوطن أمام احتمالات الخطر.
هل من سبيل للخروج من حالة هستيريا الحرب الراهنة؟
الأزمات الكبرى بين الدول، بما فيها الحروب، هي صراع إرادات، والحروب مفاوضات ساخنة، بين أطراف الصراع. وتنتهي إما بانتصار أحد أطرافها، وإما بإدراك المنخرطين فيها، بعدم قدرتهم على الحسم، من خلال الحرب، وأن ليس بالإمكان التوصل من خلالها إلى حل يضمن مصالحهم.
والأزمة في أوكرانيا يمكن تحديدها في شقين. الشق الأول، هو أوكراني- روسي بحت، وليس له علاقة بأطراف دولية أخرى، وهو موضوع إقليم دونباس الذي تتحدث أغلبية سكانه باللغة الروسية. وأبناء هذا الإقليم، رغم أنهم جغرافياً ينتمون إلى أوكرانيا، فإنهم يرتبطون وجدانياً وثقافياً بالأمة الروسية. وقد تعزز هذا الارتباط أكثر باندماجهم قرابة سبعة عقود بروسيا، أثناء حقبة الاتحاد السوفييتي.
والأزمة الدائرة الآن في الإقليم، تدور حول اتهامات متبادلة بين حكومة أوكرانيا، وسلطات إقليم دونباس، حيث تتهم الأولى الأخيرة، بتعزيز النزعات الانفصالية، بينما تتهم دونباس الحكومة الأوكرانية، بممارسة التمييز العنصري، وتطالب بحكم ذاتي. ويحظى المطلب هذا يدعم الرئيس الروسي بوتين.
تأييد بوتين لإقليم دونباس، يحمل مخاطر غزو روسي للبلاد، خاصة أن روسيا لوحت تكراراً ومراراً، بأنها لن تسمح للحكومة الأوكرانية، بالتعرض للإقليم بالأذى، متهمة إياها بالقيام بجرائم إنسانية بحق أبنائه. ويضاعف من خوف الأوكرانيين الخطوات التي أقدمت عليها حكومة بوتين في جمهوريات سابقة، تابعة للاتحاد السوفييتي، آخرها ضم شبه جزيرة القرم للأراضي الروسية.
الشق الثاني، هو رفض موسكو، للتمدد العسكري الغربي، في حديقتها الخلفية، والمقصود راهناً الأراضي الأوكرانية. روسيا في هذا السياق، ترفض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، كما ترفض وجود أية قواعد عسكرية غربية، على الأراضي الأوكرانية، بل إنها ترفض أي اتفاق عسكري بين أوكرانيا وأي دولة غربية، يسمح للبلدين بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة فوق الأراضي الأوكرانية.
الحل الممكن، كما نرى، والذي تحدث عنه بشكل غير مباشر، الرئيس بوتين، ووزير خارجيته لافروف، هو استعادة مشهد أزمة الصواريخ الكوبية عام 1961، وطريقة حلها، والتي كان تسبب بها إقدام الاتحاد السوفييتي على نصب صواريخ برؤوس نووية على الأراضي الكوبية، وتم رفعها لاحقاً بعد أن تعهدت أمريكا أمام العالم، بعدم معاودة الاعتداء على الأراضي الكوبية. إن ذلك يعني أن حل الأزمة سيكون شبيهاً بحل تلك الأزمة. يتعهد الروس أمام المجتمع الدولي، ومن خلال مجلس الأمن، بعدم غزو أوكرانيا، ويتعهد الغرب بعدم التمدد العسكري باتجاه لأوكرانيا. ويقوم حكم ذاتي لإقليم دونباس، ضمن الدولة الأوكرانية.