الرئيسية / مقالات رأي / ماذا في جعبة باشاغا؟

ماذا في جعبة باشاغا؟

بقلم: د. صلاح الغول – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – كما توقعنا في مقالٍ سابق على صفحات «الخليج»، كلّف مجلس النواب الليبي فتحي باشاغا برئاسة الحكومة الجديدة. وقد حصل رئيس الوزراء المكلف على أغلبية ساحقة من أصوات النواب (140 صوتاً من مجموع 149) في جلسة المجلس المنعقدة في 10 فبراير/شباط الجاري، فيما انسحب منافسه، خالد البيباص. وكما اتضح من تصويت مجلس النواب، والتفاهمات بين الأخير والمجلس الأعلى للدولة، ومواقف القوى والكيانات السياسية والعسكرية والاجتماعية المؤيدة، فإنّ ثمة توافقاً كبيراً على تكليف باشاغا برئاسة الحكومة الجديدة. وأعتقد أنّ هذا التوافق الكبير دليل على رغبة الليبيين في إنهاء الانقسام وشبح الحروب التي عانتها البلاد منذ 2011 وحتى الآن. 

والحقيقة أنّ ما أثاره البعض من أنّ خطوة تشكيل حكومة جديدة سوف تؤدي إلى مزيدٍ من الانقسام والصراع لا محل له واقعياً. فبالإضافة إلى التوافق الكبير على شخص رئيس الحكومة المكلف، فإنّه يمتلك القوة الواقعية على الأرض في الغرب الليبي. يُذكر أنّ عدداً من الكتائب والسرايا في المنطقة الغربية والوسطى أعلنت تأييدها لقرارات مجلس النواب. وعلى الرغم من استمرار تمسك الدبيبة بحكومته ورفضه تشكيل حكومة انتقالية جديدة، لكن يبدو أن هناك ضغوطاً سياسية كبيرة محلياً وإقليمياً كي يتراجع عن موقفه ذلك.

وبحكم خبراته السابقة وما واجهه من مشكلاتٍ أمنية وسياسية، يُنظر إلى فتحي باشاغا على أنه سياسي قادر على مواجهة أي تحديات مستقبلية. ويتضح ذلك من خلال الشعار الذي يتبناه تحت عنوان «‎#إلى_الدولة»؛ والذي يعني عودة الدولة القوية. فماذا في برنامجه لترجمة هذا الشعار واقعياً؟

بادئ ذي بدء، حدد فتحي باشاغا معالم حكومته في خمس نقاط، هي: المشاركة السياسية الواسعة لكافة الليبيين على أساس الخبرة والكفاءة والنزاهة، القدرة على أداء المهام الحكومية في كل المدن الليبية، احترام القوانين واللوائح والإجراءات المنظمة لممارسة الوظيفة العامة، السرعة في المعاملات والحزم في الإجراءات والاستجابة للمتغيرات وتجاوز التحديات، والشفافية لنشاطات الحكومة والتواصل المباشر مع المواطن والإعلام. كما تعهّد باشاغا، بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن وزرائه المحتملين، أمام مجلس النواب، بعدم الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة. كما تعهّد أن يتنازل، هو وأعضاء الحكومة التي سيشكّلها عن أيّ «حصانة قضائية» وذلك لإفساح المجال أمام المحاسبة في حال حصول تقصير أو تورط في الفساد.

علاوة على ذلك، حدد باشاغا أولويات حكومته في المصالحة الوطنية والاستحقاقات الانتخابية والعلاقات الخارجية، الدفاع والأمن، إصلاح المالية العامة والاقتصاد، الخدمات الحكومية، والتنمية الاجتماعية.

ويُولي باشاغا ملف المصالحة الوطنية أهمية قصوى؛ لأنه، في رأيه، أساس بناء الدولة. وربما تُسهم حالة التوافق الكبيرة التي تحصل لأول مرة في المشهد الليبي، بالإضافة إلى العلاقات القوية التي تربط رئيس الوزراء المكلف بمشايخ وأعيان المنطقة الجنوبية والغربية، في تحقيق المصالحة الوطنية المنشودة.

وبالنسبة للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، تعهد رئيس الوزراء المكلف بتذليل العقبات المالية والأمنية والفنية أمام مفوضية الانتخابات، لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفق خارطة الطريق التي تبناها مجلس النواب؛ أي بعد إعادة صياغة الدستور المؤقت للبلاد وتعديل القوانين الانتخابية.

وبالنسبة للعلاقات الخارجية، نعتقد أنّ باشاغا سيعمل على إعادة الدفء للعلاقات الليبية مع الدول العربية وسيعمل على إزالة كل الخلافات السابقة التي حصلت إبان الحكومات المتعاقبة. ومن المرجح أنْ تحظى حكومة باشاغا بالاعتراف الدولي؛ فلا نظن أنّ الخطوات السياسية التي قام بها مجلس النواب، على مدار أكثر من أسبوعين، منذ إعلانه عن انتهاء ولاية حكومة الدبيبة في 24 ديسمبر المنصرم؛ نقول: لا نظن أنّ هذه الخطوات تمت من دون تنسيق سياسي مع الأطراف الدولية والإقليمية والعربية المهتمة بالشأن الليبي. وقد أوضحت ستيفاني ويليامز، مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي، «لا نرفض رئاسة «باشاغا» لحكومة ليبيا، بل ننتظر ما ستنقله لنا». 

وينظر باشاغا إلى ملف الدفاع والأمن على أنه مفتاح تحقيق السلم الاجتماعي. وفي هذا الخصوص، تتحدد أولوياته في توحيد مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسستان العسكرية والأمنية، والتخلص من السلاح غير الشرعي، وتحقيق الانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الإقليم الليبي.

ويحمل رئيس الوزراء المكلف رؤية ليبرالية لإصلاح الاقتصاد؛ حيث يؤكد على تحرير الاقتصاد وفتح الأسواق. وفي إطار هذه الرؤية، سوف تركز حكومته على معالجة المشكلات الاقتصادية، وتحسين الوضع المعيشي، وتوفير فرص العمل للشباب، وإصلاح نظام الخدمات.

وأخيراً، فكما يتردد في التراث الشعبي الليبي بأنّ «حِمل الجماعة ريش»، لن يتحقق هذا كله إلا من خلال تكاتف الليبيين على اختلاف مناطقهم وقبائلهم وتوجهاتهم السياسية لعودة الدولة القوية، وتجاوز آثار الانقسام والصراع والاقتتال الأهلي، والتركيز على إعلاء مصلحة الوطن والمواطن.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …