الشرق اليوم– على صفيح المشهد الساخن، تتجه الأنظار إلى تحركات التصعيد بشأن الأزمة الأوكرانية، التي ترجمت إلى حشد عسكري على جانبي الحدود، بالإضافة إلى المناورات العسكرية، وإرسال التعزيزات من هذا الطرف أو ذاك، فضلا عن إطلاق التحذيرات المتبادلة.
ورغم كل هذه المشاهد ما زالت روسيا تنفي أي نوايا بغزو أوكرانيا، فإن الرئيس فلاديمير بوتين يدرك أن كلفة الحرب على بلاده ستكون غالية، وشددت روسيا في المقابل، على ضرورة تنفيذ اتفاقيات مينسك لحل الأزمة المتواصلة في شرقي أوكرانيا منذ ربيع 2014.
الجهود الدبلوماسية
تكثّفت الجهود الدبلوماسية من أجل تجنّب “الخيار الأسوأ”، ولإيجاد حل للأزمة الأوكرانية، وفي تحرك يعد في غاية الجدية للبحث عن مخرج سياسي، اتجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى كييف وموسكو هذا الأسبوع، وكذلك اعتزام المستشار الألماني أولاف شولتز، زيارة كييف وموسكو في 14 فبراير و15 منه.
وعند الحديث عن الخيارات السياسية، لا يمكن القفز عن اتفاق مينسك الذي كان من المفترض أن تسهر على تطبيقه مجموعة النورماندي التي تضم إلى روسيا وأوكرانيا، كلاً من فرنسا وألمانيا. ولا شيء يمنع الآن من العودة إلى إحياء هذا الاتفاق، الذي يجعل من أوكرانيا دولة فدرالية وتعترف بحقوق منطقة الدونباس التي تقطنها غالبية من أصل روسي.
وقال ماكرون بعد زيارته كييف ولقائه زيلينسكي: إن اتفاقات مينسك هو الطريق الوحيد إلى حل سلمي للنزاع في دونباس.
ويشار إلى أن روسيا ستواصل تأكيد ضرورة تنفيذ اتفاقيات مينسك، وإقناع مزيد من الدول الغربية على أنها تعد السبيل الوحيد للتسوية السلمية للصراع في دونباس، وتجنب حرب تعلن الأطراف الدولية وروسيا أنها لا تريدها.
وفي 1 فبراير الحالي، اتهم مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا السلطات الأوكرانية بأنها لم تخط خطوة واحدة نحو تنفيذ اتفاقيات مينسك لتسوية النزاع في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا.
وشدد على وجوب “تركيز اهتمام المجتمع الدولي على هذه القضية”، مشيراً إلى أن السلطات الأوكرانية تتحدث عن “استحالة تنفيذ اتفاقات مينسك، وهذا يعني أنها لن تقدم على ذلك من دون ضغوط”.
اتفاق مينسك
تمّ التوصل لاتفاقيات مينسك في عامي 2014 و2015، في العاصمة البيلاروسية مينسك. وجرى توقيع الاتفاق الأول في 5 سبتمبر 2014، إلا أنه لم يتم الالتزام به، بل خُرق بعد ساعات فقط على توقيعه بسبب المعارك التي دارت في إقليمي لوغانسك ودونيتسك في منطقة دونباس، شرقي أوكرانيا.
بعدها، تم التوصل إلى اتفاق “مينسك 2” في 12 فبراير 2015، وسبق توقيع “مينسك 2” قمة رباعية بين قادة ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا في مينسك، في 11 و12 فبراير 2015، وتزامناً مع القمة عملت فرق فنّية على صياغة اتفاقيات جديدة لتثبيت وقف إطلاق النار وإيجاد تسوية سياسية للأزمة في دونباس.
وتوصل المفاوضون إلى اتفاق رحّب به قادة روسيا فلاديمير بوتين، وأوكرانيا بيترو بورشينكو، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وأصدروا إعلاناً دعموا فيه الإجراءات التي تم التوصل إليها بين المفاوضين لتنفيذ الاتفاقيات، وتبنّى مجلس الأمن القرار 2202 الذي صادق فيه على حزمة الإجراءات الخاصة بتنفيذ الاتفاق.
ومن أهم بنود الاتفاق، الوقف الفوري والشامل لإطلاق النار في منطقتي دونيتسك ولوغانسك.
وطالبت الاتفاقيات بتوسيع المنطقة الأمنية التي يُحظر فيها على الجانبين نشر المدفعية الثقيلة، حتى مسافة تتراوح بين 30 و50 كيلومتراً مناصفة على خطوط التماس حينها، وعلى مسافة 70 كيلومتراً لأنواع محددة من الصواريخ. وهو بند يحرم الحكومة المركزية في أوكرانيا من الاستفادة من المناطق التي أعادتها إلى سيطرتها من الانفصاليين.
كما نصّت الاتفاقيات على انسحاب جميع التشكيلات المسلحة الأجنبية، والمعدات العسكرية، وكذلك المرتزقة من أراضي أوكرانيا تحت إشراف منظمة “الأمن والتعاون في أوروبا”، إضافة إلى نزع السلاح غير الشرعي لكل الجماعات. وتضمّنت بنوداً أخرى حول تبادل الأسرى وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وفي حين لم تبرز خلافات حول البنود السابقة على الرغم من عدم تنفيذها عملياً، فإن الجدل احتدم حول الفقرات الداعية إلى حوار بشأن طريقة تنظيم انتخابات محلية وفقاً للتشريعات الأوكرانية وقانون أوكرانيا حول “النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي في مناطق معينة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك”، وكذلك على تحديد الوضع المستقبلي لهذه المناطق.
ووفقاً للاتفاقيات، يجب أن يتفق ممثلو الإقليمين الانفصاليين مع الحكومة المركزية على أسس هذا القانون، على أن تتم صياغته في وثيقة تمنح المناطق المُسيطَر عليها من قبل الانفصاليين وضعاً خاصاً.
ونصت الاتفاقيات على أن الحكومة الأوكرانية لن تستعيد السيطرة الكاملة على حدود الدولة في جميع أنحاء منطقة النزاع، إلا في اليوم الأول بعد تنظيم انتخابات محلية إثر التعديلات الدستورية، التي تمنح المنطقتين وضعاً خاصاً حددته فقرة إضافية توضيحية.
وأهم بنود هذه الفقرة: منح سكان المنطقتين الحق في تحديد اللغة التي يتم التعامل بها محلياً، ومشاركة الحكومات المحلية في تعيين رؤساء المدعين العامين والمحاكم في مناطق معينة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك، فضلاً عن موافقة السلطات المركزية على استمرار التعاون العابر للحدود بين المنطقتين ومناطق روسيا المحاذية لها.
ومن البنود أيضاً: حق السلطات المحلية في إنشاء مقرات من المليشيات الشعبية التي أطلق عليها في 2014 “وحدات الحماية الشعبية”، من أجل الحفاظ على النظام العام في مناطق معينة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك، ونزع الحق من البرلمان الأوكراني في إلغاء سلطات نواب المجالس المحلية والمسؤولين المنتخبين في انتخابات مبكرة، والمعينين في المنطقتين.
وتتهم روسيا الحكومات الأوكرانية المتعاقبة بعدم العمل على تنفيذ الاتفاقيات، والسعي لتخريبها منذ عهد الرئيس السابق بيترو بوروشينكو.
الموقف الروسي من الجهود الدبلوماسية
وقال مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية يوري أوشاكوف، إن الرئيس فلاديمير بوتين أبلغ نظيره الأمريكي جو بايدن، خلال الاتصال الهاتفي، بأن الغرب لا يمارس ضغطًا كافيًا على أوكرانيا لتنفيذ اتفاقيات مينسك.
كما استنكر بوتين المعلومات المزيفة حول “الغزو الروسي” ضد أوكرانيا.
في هذا السياق، قال رئيس المركز العربي الروسي، مسلم شعيتو، إن موازين القوى في المرحلة الأخيرة تغيرت لصالح روسيا وحلفائها، مما وضع الغرب والناتو أمام واقع جديد دل على ذلك الرغبة في التفاوض للتوصل لحل دبلوماسي بشأن الأزمة الأوكرانية.
وأضاف شعيتو أن هناك وقائع جديدة تحاول روسيا تثبيتها من خلال المناورات العسكرية، لافتا إلى أن الغرب يحاول تصوير الأزمة على أنها روسية أوكرانية وهي ليست كذلك.
وأشار شعيتو إلى أن رغبة الغرب هي الوجود في هذه المساحة الخلفية لروسيا في مقابل عدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو، لافتا إلى أن المخرج هو ما قالته روسيا بالالتزام بالمواثيق الدولية والاتفاقات الموقعة.