بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – عاد الصراع السياسي إلى ليبيا ليتمظهر في وجود حكومتين متنافستين، بعد نحو عام على تأليف حكومة واحدة معترف بها في الداخل والخارج. ويقف الليبيون مجدداً اليوم أمام نقطة مفصلية في دوامة الصراعات التي تعصف بهم منذ عام 2011.
وكان لتفويت موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بالغ الضرر على العملية السياسية برمتها. وحتى الدور الأممي بات الآن هامشياً أمام اندفاع القوى المحلية لاجتراح خريطة طريق خاصة بها، لا تحظى بموافقة جزء آخر من الليبيين، ما يعيد النزاع السياسي إلى المربع الأول.
ربما يكون قد دخل في روع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، أن عدم إجراء الانتخابات سيجعل منه رئيس وزراء دائماً بفعل الأمر الواقع، وفي ظل استحالة توافر شروط إجرائها في المدى المنظور. بيد أن ليبيا التي باتت اليوم ساحة صراع لنفوذ القوى الأجنبية، باتت حساباتها معقدة جداً، ولم يعد من الممكن التنبؤ باتجاهات الأمور وتقلباتها.
في مدى أسابيع معدودات، قرر البرلمان الليبي الذي يتخذ طبرق في شرق البلاد مقراً له، نزع الشرعية عن حكومة الدبيبة وفتح باب الترشيحات لرئاسة الحكومة، ليقع الاختيار الخميس الماضي على وزير الداخلية السابق في حكومة فايز السراج، فتحي باشاغا، ليترأس حكومة جديدة، مع خريطة طريق تفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية في غضون 14 شهراً.
وكان من الطبيعي أن يرفض الدبيبة المدعوم من الأمم المتحدة والغرب، التخلي عن مركزه وأن يتهم مجلس النواب بتزوير النصاب في الجلسة التي إختارت باشاغا، فضلاً عن اعتباره أن ليس من حق المجلس نزع الشرعية عن حكومته واختيار رئيس جديد للوزراء، وأن هذا الحق يعود فقط إلى المجلس الأعلى للدولة الذي يتخذ من طرابلس مقراً له ويؤدي دوراً موازياً لدور البرلمان في الشرق الليبي.
إذاً، ها هي ليبيا تنقسم مجدداً إلى شرق وغرب. وقد وضعت مبادرة البرلمان الذي يترأسه عقيلة صالح، دور بعثة الأمم المتحدة خارج السياق. وللتذكير فقط، فإن روسيا طالبت قبل أسبوعين في جلسة لمجلس الأمن مخصصة للشأن الليبي، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتعيين ممثل خاص دائم له في ليبيا خلفاً ليان كوبيتش الذي استقال أواخر العام الماضي. ورفضت موسكو أن تبقى ستيفاني ويليامز لتضطلع بدور الممثل الخاص بالوكالة، بمساندة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وهكذا يتجلى الصراع الدولي في ليبيا، في ظهور حكومتين مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من مضاعفات في السياسة وربما في الميدان، ويبقى الليبيون هم الخاسر الأكبر فيها.
بقيت ليبيا محكومة لمدة ستة أعوام من حكومة في طرابلس وأخرى في الشرق الليبي، إلى أن اختار ملتقى الحوار الوطني الذي انعقد في جنيف في شباط (فبراير) من العام الماضي 2021 رجل الأعمال عبدالحميد الدبيبة رئيساً لحكومة وحدة وطنية مؤقتة مهمتها الإعداد لانتخابات رئاسية حدد موعدها في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021. وحالت الصراعات بين القوى الليبية دون إنجاز هذا الاستحقاق في موعده.
وكان للتجاذب الروسي – الأميركي المتجدد حول ليبيا، الدور الأكبر في الحؤول دون إنجاز هذا الاستحقاق في موعده. واليوم، باتت الآمال ضعيفة جداً في إمكان إنجاز عملية سياسية ذات صدقية وتحظى بمباركة جميع الأطراف السياسيين.
ويعيد هذا ليبيا إلى دائرة الانتظار ريثما يتقرر مصير هذا البلد في الخارج. والمهم أن يبقى وقف النار صامداً وألّا تعمد القوى إلى تحريك الجبهات مجدداً.
يدفع الليبيون ثمناً باهظاً منذ أكثر من عقد. وبعدما ظنوا أن إسقاط نظام معمر القذافي سيكون فاتحة عهد من الحرية والازدهار، فإذا بهم يقعون في الاقتتال والنزاعات الداخلية التي لا تزال أقوى من أي إرادة للتلاقي وبناء مستقبل مختلف.