بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع
الشرق اليوم – “محيط واحد”.. عنوان يبدو ملفتا للقمة التي استضافتها مدينة “بريست” الفرنسية، والتي شارك بها الرئيس عبد الفتاح السيسي بين عدد محدود من الزعماء، بناء على دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا للأهمية التي تحظى بها مصر، في عهد “الجمهورية الجديدة”، لتتجاوز الدور الإقليمي إلى دور أكبر على المستوى الدولي، عبر أزمات جديدة، وضعتها في الحسبان ضمن مشروعاتها في الداخل أولا، لتنطلق بعد ذلك من خلال تعميم تجربتها الناجحة في تحقيق المعادلة الصعبة القائمة على تحقيق التنمية دون الإخلال بالمعايير البيئية والمناخية، والتي باتت ضرورة ملحة لا يمكن تجاوزها في ظل ما تمثله من تهديد صارخ للمجتمع الدولي بأسره.
ولكن بعيدا عن قضية الدور، والتجربة المصرية التي تستحق الإشادة والتقدير، والرؤية القائمة على تعميمها في منطقتها، ربما نجد أن ثمة حالة من الاعتماد الدولي على القاهرة، ربما لم تقتصر على ملف واحد، وإنما امتدت إلى العديد من الملفات الدولية والإقليمية، بدءً من دعم الدور الكبير الذي لعبته في محيطها لمحاربة الإرهاب، وإعادة الاستقرار في العديد من دول المنطقة، وحتى مباركة دورها الفاعل في مكافحة التغيرات المناخية، باختيارها لاستضافة قمة المناخ، والذي استبقته القاهرة بدور “الوسيط” بين دول العالم، عبر استضافة عدد من الزعماء الأفارقة، على أراضيها، أو الزيارات الخارجية، وأبرزها المباحثات التي أجراها الرئيس السيسي على هامش مشاركته في افتتاح أولمبياد بكين، من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة حول تلك القضية، ثم المشاركة في قمة “محيط واحد”، لتكون رسالة إلى الدول المتقدمة بالعمل على دعم الدول الأخرى، خاصة في إفريقيا، لتحقيق التنمية.
وهنا نجد أن ثمة دور قيادى لمصر على المستوى العالمي، لا يقتصر على معايير الجغرافيا التقليدية، سواء قاريا أو إقليميا، وإنما امتد إلى حالة أشبه بـ”التفويض” الذي منحه المجتمع الدولي للقاهرة، لإنقاذ العالم مما يمكننا تسميته بـ”إرهاب” الطبيعة، على غرار نجاحها في التصدي لإرهاب الميليشيات والجماعات المسلحة، والتي لم يقتصر تهديدها على دول معينة، وإنما امتد إلى الغرب، سواء في أوروبا والولايات المتحدة، ليدرك العالم حينها أن الرؤية المصرية كانت على صواب منذ عقود، حول خطورة التهديد الذي تمثله تلك الميليشيات على السلم والأمن الدوليين، والتي أثبتتها الأيام، مع بزوغ ميليشيات عابرة للحدود، على غرار تنظيم داعش والذي نجح في توظيف التكنولوجيا في تجنيد مواطنين من كافة الدول للقيام بعمليات إرهابية، داخلها دون الحاجة إلى الانتقال للعمل مع التنظيم.
ولعل التهديدات العابرة للحدود، امتدت مع مخاوف “الصراع مع الطبيعة”، على غرار ظاهرة التغيرات المناخية، أو حتى الوباء، والذى أثبت بالدليل القاطع أن التهديدات التي تواجه العالم، لن تتوقف أمام رقعة جغرافية، أو إمكانات فردية لدولة دون الأخرى، أو حتى تصنيفات تقليدية، على غرار الدول المتقدمة أو النامية، لتصبح الحاجة ملحة إلى قوى جديدة تحظى بثقة كافة الأطراف، بعيدة عن الصراعات الضيقة التي يشهدها المجتمع الدولي، للقيام بدور الحشد، أو بالأخرى الوساطة، والتي سبق وأن تناولتها في مقال سابق بعنوان “الدبلوماسية المصرية وأبعاد جديدة للوساطة الدولية، والتي أصبحت لا تقتصر على الصراعات الثنائية وإنما امتدت إلى الخلافات الجماعية حول قضايا تبدو أكثر اتساعا، سواء من حيث الجغرافيا أو التداعيات، وهو ما يعكس قدرة الجمهورية الجديدة على الحشد لصالح الأهداف المشتركة، والتي ترتبط بصورة مباشرة بإنقاذ العالم من المخاطر المحدقة به.
الدعوة الفرنسية لمصر للمشاركة في قمة “محيط واحد”، ربما تمثل حلقة جديدة في مسلسل الدور المصري الكبير على المستوى الدولى، وتمثل انعكاسا لحالة الاستناد الدولي على مصر لتحقيق الغايات المشتركة، وهو ما يمثل بؤرة اهتمام “الجمهورية الجديدة”، والتي تتحرك دبلوماسيا على أساس تعظيم المصالح المشتركة بين الدول أطراف مختلف الصراعات، لتتحول حالة الصراع إلى تنافس، من شأنه الذوبان مع تعميق حالة الثقة المتبادلة، وهو الأمر الذي يمثل جوهر الدور المصري في القضية المناخية، لخلق قدر كبير من التقارب بين الدول المختلفة فيما يتعلق بقضايا الانبعاثات والاعتماد على الطاقة النظيفة في المرحلة المقبلة، لاحتواء التداعيات المناخية.