بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – يشتد الصراع السياسي في تونس مهدداً بتعميق أزماتها، لا سيما الاجتماعية والاقتصادية مع ما يمكن أن يدفع بها إلى دوامة من العنف.
الرئيس قيس سعيّد يؤكد أن قراراته التي يتخذها منذ 25 تموز (يوليو) الماضي، الهدف منها تصحيح مسار الثورة التونسية التي أطاحت حكم زين العابدين بن علي عام 2011. وهو يلقي باللوم على حزب “حركة النهضة” الإسلامي، الذي عمل خلال مشاركته في حكم تونس بعد الثورة، على تأسيس “دولة عميقة” في كل مؤسسات الدولة، بما يتيح له وضع اليد عليها بالكامل.
وعليه، فإن سعيّد علق عمل البرلمان الذي تحوز فيه “النهضة” أكبر عدد من النواب، وحدد خريطة طريق سياسية تنتهي في كانون الأول (ديسمبر) المقبل بإجراء انتخابات تشريعية، وأعلن حل مجلس القضاء الأعلى متهماً إياه بالفساد والمحسوبيات. والخطوة الأخيرة قرعت جرس الإنذار في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، خشية أن تكون تونس في طريقها مجدداً نحو حكم الفرد.
بيد أن سعيّد يشرح أن خطوته تستهدف مجلس القضاء نفسه وليس عمل المحاكم. وأمام الضغوط عمد إلى تعيين مجلس أعلى للقضاء بصفة مؤقتة. وبدت هذه الخطوة وكأنها تراجع عن قراره السابق إلى حد ما.
وما يخشاه الغرب هو أن الوضع الإقتصادي الذي يزداد تأزماً بفعل الصراع السياسي، قد يدفع تونس نحو تفجر العنف، وما سيلي ذلك من موجات هجرة نحو الضفة الأخرى من الأطلسي، فضلاً عن تفاقم حال البؤس في أوساط الشباب ودفعهم نحو اعتناق الأفكار المتطرفة. ولتونس تجربة مريرة مع المتطرفين.
وعلاوة على ذلك، كان الغرب يقدم تونس على أنها قصة النجاح الوحيدة في ثورات ما سمي بـ”الربيع العربي” وتمكنت من إجراء انتخابات واستكمال عملية انتقال سياسي من الديكتاتورية إلى الحكم المدني من دون أن تقع فريسة الحروب الأهلية التي وقعت فيها ليبيا وسوريا واليمن.
ومع ذلك، فإن تونس لم تستقر سياسياً والدليل على ذلك تأليف 13 حكومة منذ 2011، أي أن عمر كل حكومة لم يتعدَ السنة، ما انعكس سلباً على الأداء المؤسساتي والإداري ومزيداً من التراجع الاقتصادي الذي جعل مديونية البلاد تقفز إلى أكثر من 36 مليار دولار نهاية العام الماضي. بينما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبقية الدائنين، يتطلعون إلى توفير بيئة استقرار سياسي لضخ مزيد من الاستثمارات.
والاضطراب السياسي والاقتصادي جعل مجلة “لوبوان” الفرنسية تصل إلى استنتاج بأن “تونس تهوي إلى الجحيم” لتصير جنباً إلى جنب مع أفغانستان وفنزويلا ولبنان. فلا الإصلاح وجد طريقه إلى حيز الفعل، ولا الإجراءات الاقتصادية كانت كافية لتحمي عملية الانتقال السياسي.
وكان الغرب يرى في “ثورة الياسمين” التونسية نموذجاً يسفه كل تلك النظريات التي تقول إن الدول العربية غير قادرة على مماشاة الحكم المدني أو الانتخابات الحرة. ومع مرور التجربة التونسية بأقسى اختباراتها هذه الأيام، يخشى صانعو القرار في أوروبا وأميركا، أن تسقط تونس هي الأخرى في دوامة العنف، على رغم أن مساحة الحريات لا تزال واسعة حتى الآن، بينما الاعتقالات تطاول شخصيات من حزب “النهضة”، باعتبار أن هذا الحزب وقف ضد سعيّد منذ اليوم الأول لرئاسته ولم يكن متعاوناً معه. وهناك تظاهرات تنظم من الموالين لسعيّد ومن المناهضين له.
ومهما يكن من أمر، تمر تونس بأيام عصيبة وليس من السهل توقع ما يمكن أن تؤول إليه الأمور. وإذا لم تتنبّه النخبة التونسية، في الحكم والمعارضة، إلى الخطوات التي تتخذها، فإنها قد تقود البلاد إلى ما لا تحمد عقباه أو تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2011.