بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تواجه العملية الديمقراطية المتباطئة في الصومال تحديات كبيرة، تعرقل تطورها نحو الاستقرار السياسي والتنمية والازدهار الذي يضمن لهذه الدولة الساحلية المهمة فرصاً للإسهام في دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني لمنطقة شرق إفريقيا. وتكافح الصومال حالياً للإفلات من ثلاثة مهددات رئيسية في مقدمتها تنامي الأنشطة الإرهابية المدمرة؛ وانقسام الطبقة السياسية؛ إضافة الى كارثة الجفاف التي تهدد ملايين السكان في المناطق الريفية.
وطوال السنوات الماضية ركزت «حركة الشباب» الإرهابية جهودها على ضرب الاستقرار السياسي، وقطع الطريق أمام محاولات تطوير التجربة الديمقراطية وتكريس عملية التداول السلمي للسلطة عبر شرعية الانتخابات، واختيار القادة والزعماء بالتصويت المباشر من قبل المواطنين.
وفي واقع الحال فقد حققت الجماعة الإرهابية نجاحاً في عرقلة العملية الانتخابية عبر تنفيذ هجمات دموية وعمليات ترهيب واسعة النطاق، استهدفت خصوصاً لجان الانتخابات ومراكزها في المدن الكبرى الصغيرة والقرى المحلية. الأمر الذي قاد إلى تأجيل انتخابات البرلمان الصومالي مرات عدة، وهدد بانهيار العملية السياسية برمتها.
فخلال الفترة القليلة الماضية تبنت الحركة مسؤولية اعتداء دموي في وسط العاصمة مقديشو، استهدف مندوبي الانتخابات البرلمانية، وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى. وأعلنت مسؤوليتها عن اغتيال مسؤول بارز في لجنة انتخاب أعضاء برلمان الحكومة الصومالية في مديرية «هروا» بالعاصمة الصومالية. وقبل ذلك، قصفت الحركة بالصواريخ مدينة برواة موقعة العديد من الضحايا بين المدنيين بالتزامن مع بدء عمليات التصويت، لاختيار ممثلين لـ13 من المقاعد المخصصة لسكان المدينة.
وبينما تكثف «حركة الشباب» هجماتها لإفشال الانتخابات، وتبديد أي فرصة لنظام ديمقراطي مستقر، فإن موجات الجفاف والجوع الزاحفة تطرح تحديات كبيرة للعملية السياسية؛ من حيث إنها تمثل تهديداً وجودياً لملايين الأشخاص.
وتحذر منظمات الإغاثة الدولية من أن ما يقرب من 90 في المئة من المساحة الجغرافية للصومال الآن تعاني جفافاً شديداً بعد ثلاثة مواسم مطيرة متتالية فاشلة، ما يعني أن ما يقرب من 3.5 مليون شخص يعانون بالفعل انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويتعرض ملايين آخرون الآن لخطر المجاعة.
ولا ترتبط أسباب تفاقم الوضع الغذائي وموجات الجفاف الحالية بالتأثيرات الناجمة عن تطرف المناخ فقط؛بل إنها ترتبط أيضاً بعوامل أخرى من بينها هشاشة الاستقرار السياسي واستمرار الصراعات المسلحة، إضافة إلى سوء استغلال الأراضي وحرق الأشجار، للحصول على الوقود والرعي الجائر.
ويدخل الانقسام بين القادة السياسيين والخلافات المحتدمة بين زعماء العشائر، في صلب التحديات التي تهدد العملية السياسية الصومالية؛ بل إنه يمثل العقبة الأكبر في طريق التحول الديمقراطي المأمول. ويثير هذا الانقسام وتداعياته على اتجاهات الفوضى والاستقرار قلقاً دولياً واسعاً مع اقتراب التاريخ المحدد لانتهاء انتخابات البرلمان في 25 فبراير/ شباط الحالي.
وتكتسب قضية إنقاذ العملية السياسية أهمية كبرى في الظروف الراهنة. وفي هذا الإطار فإنه يتعين على القيادات السياسية ضرورة التحلي بالحس القومي، والاتفاق على خطوط تعاون مشتركة بشكل يضمن حماية وجود الدولة نفسها، ومنع تلاشيها، ويفتح الطريق أمام إنجاح التجربة الديمقراطية النامية.