بقلم: محمد أبو ميسم – وكالة الأنباء العراقية “واع”
الشرق اليوم – المطلعون على المعطيات التي أسست للنظام النقدي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية ابتداء من اجتماع “بريتون” عام 1945، مرورا بتخلي الولايات المتحدة عن التزامها بوضع أونصة ذهب لاصدار كل 35 دولارا في العام 1971، وصولا لإصدار الكتلة الدولارية (الورقية) الهائلة التي كان يمكن أن تشتري موجودات كوكب الأرض عشر مرات قبل الأزمة المالية العالمية في العام 2008، هؤلاء المطلعون يدركون أكثر من غيرهم سر تفوق الاقتصاد الأميركي على غيره من الاقتصادات العالمية على أثر إزاحة الجنيه الاسترليني لصالح الدولار الأميركي في اجتماع “بريتون”، ومن ثم دولرة الاقتصاد العالمي بفئات ورقية ليس لها رصيد من الذهب. هؤلاء يمكن أن يدركوا وبسهولة سر التسابق المحموم في ساحة التداول الإلكتروني على إصدار العملات الرقمية في ظل الرواج الهائل لأدوات اقتصاد المعرفة وعالم افتراضي يتماهي مع العالم الواقعي شيئا فشيا، حيث تنحسر التداولات النقدية لصالح التداولات الإلكترونية بما يؤسس لانحسار إصدار الدولار الورقي لصالح العملات الرقمية المشفرة، لتكون الغلبة في ما بعد لمن يهيمن على إصدار العملات الإلكترونية الأكثر تداولاً على شبكة المعلومات العالمية.
ومثلما استطاعت الولايات المتحدة الأميركية أن تواصل طبع الدولار دون رصيد من الذهب بعد العام 1971، وتشتري الموجودات والخدمات والعقول وتتصدر العالم اقتصاديا وعسكريا وعلميا بأوراق مطبوعة على مدار ثمان عقود، سيستطيع من يهيمن على اقتصاد المعرفة، أن يسيطر على النظام المالي العالمي من خلال هيمنته على إصدار العملة الرقمية الأكثر تداولاً، بالتزامن مع انحسار التبادلات النقدية في ظل التطور الهائل لأنظمة المدفوعات.
ولهذا السبب كان التسابق المحموم على إصدار العملات الإلكترونية المشفرة التي وصل عددها الى حوالي 2000 عملة في محاولة للغلبة، بالتزامن مع بحث المضاربين عن عملات رقمية جديدة يمكن الاستثمار فيها وكسر احتكار “البتكوين” وهي العملة الأكثر تداول، والتي وصل سعرها الى نحو 60 ألف دولار للوحدة، ثم الإيثريوم التي تجاوزت عتبة 4 آلاف دولار. فظهرت عملات مثل (سولانا بسعر 260 دولار للوحدة حاليا، أفلانش بسعر 146 دولار للوحدة، كاردانو بسعر 3 دولارات للوحدة). ومن هنا يؤسس التفوق المعرفي في ظل عالم ينزاح لصالح المدن الذكية والحكومات الإلكترونية وأتمتة التبادلات والتعاملات لواقع هيمنة مطلقة مدعوما بتخلى سلطة الدولة عن مسؤولياتها لصالح سلطة المال بدعوى الحرية وحق الملكية المطلقة في أصول الدولة الليبرالية تحت مظلة العولمة الاقتصادية، لتكون حرب العملات الإلكترونية بين عمالقة المعرفة.