الرئيسية / مقالات رأي / تعطيل الانتخابات اللبنانيّة… لمصلحة من؟

تعطيل الانتخابات اللبنانيّة… لمصلحة من؟

بقلم: نبيل بومنصف – النهار العربي 

الشرق اليوم – ازدادت وتيرة التحذيرات لدى قوى لبنانية مناوئة لمحور “الممانعة”، خصوصاً في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، إذ بدا لافتاً مثلاً أن حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع قاد ويقود حملة دبلوماسية مع سفراء دول كبرى وممثلي الأمم المتحدة في لبنان، محذراً من وجود مخطط لمحاولة إطاحة الانتخابات. تتّكئ هذه التحذيرات إلى وقائع ملموسة مريبة ومثيرة للتوجس، أساسها إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون لدى وضع مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب منذ بداية السنة على إدراج مشاريع تتصل بالاستحقاق الانتخابي، بما يبقي الباب مفتوحاً أمام التيار السياسي الحزبي للعهد، أي التيار الوطني الحر، لإعادة طرح مشروع قانون معجل يبدل فيه مسار انتخاب المغتربين والمنتشرين اللبنانيين، فيحصر اقتراعهم بدائرة من ستة مقاعد نيابية مخصصة للمغتربين في كل القارات، بدلاً من الإجراء المعتمد الآن في أن يقترع المغتربون للنواب الـ128 أسوة بالمقترعين المقيمين.

هذا الاحتمال الذي يثير الخشية من نيات مبيتة لإعادة طرح ملف الاقتراع الاغترابي، كمفتاح يمكن عبره تأجيل الانتخابات أو إطاحتها، وإن كان مستبعداً أن يسلك مساره في مجلس النواب، حيث مفتاح الحل والربط في إدراج أي مشروع يؤثر على الانتخابات هو بيد رئيس المجلس نبيه بري المناهض الأقوى للعهد، لا يسقط المخاوف من وسائل أخرى قد تبقى واردة لإطاحة الانتخابات، إن سياسياً وأمنياً إذا أثارت الانتخابات ونتائجها المحتملة مخاوف استثنائية لدى أفرقاء يسيطرون راهناً على مجمل القرار السلطوي، ويخشون انقلاباً في موازين القوى بفعل الانتخابات المقبلة. ولكن من يملك المصلحة في التعطيل والتأجيل؟ وتالياً من يستفيد؟ ومن ثم من يصيبه الأذى أكثر في حال التأجيل والتعطيل؟

واقعياً ولو نفى ذلك مراراً وتكراراً، فإن التيار الوطني الحر هو أكثر من يمكن تصنيفه بين الأفرقاء السياسيين صاحب مصلحة في إرجاء الانتخابات لدوافع عديدة، أبرزها إطلاقاً تراجع زخمه الشعبي وشعبيته الى درجات خطيرة للمرة الأولى منذ أسس العماد ميشال عون هذا التيار. وتراجع التيار العوني ليس أمراً مفاجئاً أو طارئاً، فكل الاستطلاعات تدل الى ذلك بفعل الانهيار الذي حصل في عهد عون أولاً، وبسبب سياسات الإنكار التي يتبعها العهد في رمي تبعات الانهيار على كل الأفرقاء الآخرين إلا نفسه وفريقه، متجاهلاً مثلاً أن فريقه وحده أمسك بملف الكهرباء منذ أكثر من عقد، وها هي أكبر الكوارث إطلاقاً متأتية من الكهرباء التي تجاوزت نسبتها من المديونية اللبنانية الخيالية أكثر من النصف، فيما يعاني لبنان ظلمة وكارثة لم يعرف مثيلها حتى في الحرب. ثم إن تراجع التيار يتواكب مع مخاض خطير داخله على مشارف سنة مشؤومة للتيار، سيختبر فيها أسوأ تراجعاته انتخابياً، ومن ثم سيبدأ الإعداد لنهاية ولاية الرئيس ميشال عون ولعودة الزعيم للتيار الى الرابية في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، في صورة الرئيس الثالث عشر الذي انهار لبنان في عهده. هذا الأمر يدفع الى حسابات دفينة خطيرة عما يمكن أن يحل بـ”التيار” إذا مُني بخسائر انتخابية جسيمة في الانتخابات النيابية عشية نهاية العهد أيضاً؟ إذاً هي مسألة حياة أو موت مصيرية بالكامل.

أما حليف التيار “حزب الله” فهو مبدئياً لا مصلحة حيوية له في تأجيل الانتخابات على مستوى وضعه الذاتي، فهو يضمن حتماً بقاء زخمه الشعبي والتمثيلي الشيعي الثقيل، بل ربما يكون أمام فرصة “اصطياد” مرشحين سنّة أيضاً إذا ماشاه مرشحون في مناطق معينة في ظل الزلزال الذي أصاب الساحة السنيّة بعد انسحاب الرئيس سعد الحريري من العمل السياسي، وامتناعه وتياره عن الترشح للانتخابات. ولكن الحزب يخشى حتماً أثر تراجع التيار العوني، لأن أي عهد أو رئيس آخر وأي تيار آخر لن يوفر للحزب غطاءً مسيحياً وشرعياً كذاك الذي وفره العهد العوني لـ”حزب الله”. لذا فإن مضى التيار العوني، أو سواه من القوى، نحو محاولة تأجيل الانتخابات، فإن الحزب لن يقف على الأرجح معانداً لهذا الاتجاه، هذا إن لم يؤيده بكل تصميم ووضوح.

في هذا السياق، يُطرح سيناريو مرادف للتعطيل عمن يستفيد من تأجيل الانتخابات ولو كان من غير محور الممانعة؟ الحال أنه في حال التأجيل ثمة أفرقاء يستفيدون حكماً، إما لإنجاز ترتيباتهم الداخلية أو إعادة التموضع بعد هذه الترتيبات، ومن أبرزهم تيار المستقبل وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، إذ يحافظون على أحجامهم النيابية الحالية ولا يتعرضون لاهتزازات خطيرة في تمثيلهم. ولكن ثمة فئة ثالثة ستكون في موقع الخاسر وهي “القوات اللبنانية” والأحزاب المعارضة للسلطة والجماعات المنبثقة من ثورة 2019. وهذه الأحزاب والمجموعات تشكل مبدئياً النواة الصلبة لمعارضة برلمانية يفترض أن تعيد بعضاً من التوازن الى الاختلال الهائل الذي يتحكم بالواقع اللبناني.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …