بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع
الشرق اليوم – ربما كان الحضور الدولي الكبير، والزخم الملموس، الذي شهده افتتاح أولمبياد بكين، في الأيام الماضية، مع بروز عددا من الزعماء الذين حرصوا على التواجد، يمثل دعما كبيرا للصين في مواجهة دعوات المقاطعة، التي تبنتها الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، إلا أنه في الوقت نفسه يمثل “لبنة” مهمة في بناء تحالف جديد، يمكنه مجابهة الهيمنة “المعسكر الغربي”، بقيادة أمريكية، والتي دامت لعقود طويلة من الزمن، في ظل العديد من المعطيات التي تشكلها الأحداث الدولية الراهنة، وعلى رأسها الصراع بين روسيا والغرب في إطار الأزمة الأوكرانية، والحرب التجارية بين أمريكا والصين، ناهيك عن الأزمات ذات الطبيعة الجديدة التي يشهدها العالم، وعلى رأسها القضية المناخية، والتي باتت تمثل أولوية قصوى في مختلف اللقاءات الدولية، مع تباين الرؤى بين الدول، إلى حد أشبه بالصراع.
ولعل الحديث عن التحالفات الدولية، غالبا ما تطغى عليها الصيغة السائدة، والتي تقوم في الأساس على هيمنة قوى “رئيسية”، تتمركز لديها السلطة الكاملة، في إدارة مواقف الدول أعضاء التحالف، باعتبارها “المانح” الذي يرهن عطاياه لشركائه الدوليين بمدى التزامهم بـ”الدوران في فلكه”، وهو ما بدا بوضوح في سياسة الدعم التي طالما تبنتها الولايات المتحدة، تجاه حلفائها، وهو الأمر الذي بدا أولا في التعامل مع القوى الإقليمية، في مختلف مناطق العالم، ثم امتد نحو الحلفاء الرئيسيين، في أوروبا الغربية، على غرار التلويح بالانسحاب من الناتو، والعودة إلى التعريفات الجمركية، خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما يرجع في جزء منه إلى اختلاف طبيعة الصراع الدولي وبالتالي تغير الأولويات، من جانب، بينما يمثل في الوقت نفسه انعكاسا صريحا لتضارب في المواقف، ولو جزئيا، من جانب أخر، خاصة فيما يتعلق بمحاولات واشنطن على حلفائها، فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية تارة، والعلاقة مع روسيا والصين تارة أخرى، وهو ما لم يشهد الاستجابة المرجوة من قبل الإدارة الأمريكية، وبالتالي توترت العلاقات بشكل غير مسبوق.
وهنا تبدو معضلة النهج القديم في التحالفات الدولية، والتي اتخذت نهجا مركزيا، ربما يتماشى مع طبيعة النظام الدولي القائم على محدودية القوى صاحبة التأثير، حيث انحصرت على الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إبان الحرب الباردة، بينما اقتصرت على واشنطن بعد انتهائها، لتنفرد وحدها بالقيادة، وتتبنى من خلاله نهجا ديكتاتوريا، يقوم على توجيه مواقف الدول، بما يتماشى مع رؤيتها، بعيدا عن مبادئ السيادة الوطنية، والاستقلالية، أو حتى الديمقراطية، التي كانت مجرد “عصا” أمريكية، تستخدمها لتأديب المارقين.
إلا أن المعادلة الدولية، ربما تغيرت كثيرا، مع تصاعد أكثر من قوى يمكنها مزاحمة الهيمنة الأمريكية على عرش القيادة الدولية، بينما اتسمت القوى الإقليمية في العديد من مناطق العالم بتنوعها وتعدديتها، وهو ما يضفى طبيعة “لا مركزية” في التحالفات الجديدة، لتقوم في الأساس على فكرة تحقيق المصالح المشتركة، وتعظيمها، مع احتفاظ كل دولة بمواقفها السياسية، ورؤيتها، دون الدوران في فلك معين.
فلو نظرنا على سبيل المثال إلى العلاقة بين روسيا والصين، نجد أن ثمة تفاهمات كبيرة، بينما لا تخلو العلاقة بينهما من تنافس، ربما يرجع إلى عقود طويلة من الزمن، إثر خلافات حدودية، وشكوك ديمغرافية، ولكنهما رغم ذلك نجحا في احتواء خلافهما، عبر تعظيم مصالحهما منذ بداية الألفية مع اعتلاء الرئيس فلاديمير بوتين عرش الكرملين، ليتحول الصراع إلى حوار، ساهم ليس فقط في احتواء الخلاف، وإنما أيضا في مواجهة التحديات المشتركة، إلى الحد الذى وضعهما في كفة واحدة في مواجهة السياسات الأمريكية، وهو ما يبدو في التضامن الكبير من قبل بكين مع موسكو في مواجهة الغرب خلال الأزمة الأخيرة.
وبعيدا عن العلاقة الروسية والصينية وتشابكاتها، ربما نجد أن العلاقات التي تسعى بكين إلى إرسائها لتشكيل تحالفها الموسع على المستوى الدولي، يقوم على نفس النهج عبر التركيز على المشتركات الصغيرة، والعمل على تعظيمها، على غرار العلاقة مع دول أوروبا الغربية، والقائمة على الشراكات الاقتصادية، بما يساهم في تحقيق المكاسب المشتركة، وذلك بالرغم من تحالفهم القوى مع المنافس الأمريكي، كما تبنت، على الجانب الآخر، موقفا دفاعيا عن مصالح الدول النامية فيما يتعلق بالقضايا المناخية، بالإضافة إلى تدشين الشراكات معهم على المستوى الاقتصادي، دون وضع شروط على شركائها فيما يتعلق بمواقفهم الدولية، أو توجيه بوصلتهم نحو مواقف بعينها، وهو الأمر الذي يساهم في زيادة مصداقية الصين أمام شركائها الجدد.
وهنا يصبح التحالف الجديد أكثر قدرة، ليس فقط على تحقيق أهداف تقليدية ترتبط بالنفوذ الدولي والتأثير، في مناطق مختلفة، وإنما في اختراق مناطق أخرى كانت تمثل عمقا استراتيجيا للولايات المتحدة، وفناءً خلفيا لها، عبر بناء المصالح التي من شأنها، إذابة الخلافات أولا، ثم بعد ذلك تحقيق التوافق السياسي فيما يتعلق بالقضايا الخلافية.